-

كتابنا

تاريخ النشر - 23-12-2020 12:12 PM     عدد المشاهدات 624    | عدد التعليقات 0

إرث ألفين وعشرين

الهاشمية نيوز - فدوى بهجت خصاونة
جرب أن تلقي حجراً صغيراً في بركة ماء راكدة تظهر على صفحتها صورتك، ستكون النتيجة دوائر تبدأ صغيرة ومن ثم تكبر وتكبر لتغيب ملامحك وتضيع فتظهر صورة مشوهة مسخ، وتنتظر بعدها ليعود الماء إلى سكونه.
فيروس كورونا شوه العالم وغير تضاريس الحياة، و جعل من الناس أسرى مقيدين مكممين؛ فعلى الرغم من كل القبح الذي يملأ وجهه ولكنه فعل ما لم تفعله اقوى قوى العالم.
فكلنا متفقون أن عام ألفين وعشرين هو عام الحزن عام الموت عام المرفأ وعام الأقصى عام مشحون بالبؤس عام عادل تساوت فيه كل الدول وكل الطوائف والملل؛ فنزل عليها ضيفا ثقيل الظل لا يميز بين حاكم ومحكوم قوي وضعيف غني وفقير؛ عدالة كورونا فيروس حقير أوقف العالم كله على ساق واحدة.
كلنا في هذا العام ضحايا وكلنا يملك الحل فالفيروس لا ينتقل وحده بأي حال ولكن الإنسان دافع عن انتشاره في كل العالم وكان شعارنا تأجيل كل الأعمال إلى إشعار آخر.
يكفي أن نقول إن عام ألفين وعشرين هو مجموعة أعوام مختزلة في عام واحد و ها هو يلقي نظرة الوداع الأخيرة و يطوي صفحة كنا نود أن نمزقها و نلقيها قبل أن تمتلئ بالحبر الأسود، ولكن ما قيمة الورقة البيضاء دون حبر نستلهم منه العبر.
وعجبت ممن لم ير في الموت واعظا؛ فلا نكاد نرى بيتا الا وقد خيم عليه الحزن لفقدان أب أو أم أو اخ أو جار أو صديق، وهل في الحياة أقسى من الموت والفراق؟
ولأن الوباء و الموت هما سمة هذا العام ولا نملك إلا أن نرضى و نتأنى في الحكم على عام صنع الفرق في كل مناحي الحياة : فقد علمنا عام ألفين وعشرين دروسا عجزت كل المدارس والجامعات عن ترسيخها في وجدان الإنسان.
علمنا عام ألفين وعشرين أن نخرج من إطار الشكليات والأنماط الحياتية التي عشناها أعواما طويلة و باتت مظهرا اجتماعيا أصيلا، فأدركنا ان الزواج لا يحتاح لكل ذلك الصخب والإفراط وكما يقولون: (العروس للعريس والجري للمتاعيس ).
علمنا عام ألفين وعشرين ان العزاء هو مشاركة وشعور وليس تجمعات واجتماعات ووجبات غداء وعشاء يقدمها أهل المتوفي لإرضاء المواسين.
علمنا أننا نستطيع أن نتأقلم ونتعايش مع كل الظروف، فأعياد الميلاد لا يلزمها شموع معطرة و كعكة من عشر طبقات ولا يلزمه كل ذلك البذخ والتبذير فإن المبذرين إخوان الشياطين.
سنة ألفين وعشرين شكرا لأنك أعدت الآباء والأمهات إلى المراحل الدراسية؛ فعادوا للمذاكرة من جديد و تواصلوا مع أبنائهم ولعبوا معهم؛ فأدركنا أن الأسرة هي الرابطة الأقوى، ولمة العيلة، طمأنينة وسلام، ففاحت رائحة الخبز في البيت، و تبادل الجيران أطباق الطعام، وأصبحت البيوت مكانا للعبادات والصلوات؛ فحيثما تولوا فثم وجه الله.
وعلمتنا أن البعد أمان و عافية وقرب ومحبة فكان شعارها إذا كنت تحبني لا تقبلني لا تقترب مني واجعل بيني وبينك مسافات.
وهكذا مر العام دون أن نتقدم فترك لنا إرثا ودروسا، تركنا ننزف؛ ينكسر الزجاج محدثا صوتا سرعان ما يتلاشى وتبقى قطع الزجاج تجرح من يلمسها وكما يقال: (الكف اللي ما بوجعك بقويك).
إرث ألفين وعشرين نظام جديد وعالم جديد وتأشيرة للعبور واجتياز العقبات؛ فلا تركنوا إلى الأيام ولا الشهور أو السنين؛ فالأيام لا تكون سعيدة ولا حزينة ولا وفية ولا غدارة ولا حتى حلوة أو مرة؛ فنحن مسؤولون عن كل هذا وبأيدينا نفرش الأرض ببساط الفرح والورد وبالعمل النافع نحقق النجاح.
فما أحوجنا اليوم وبعد سنة ثقيلة بكل تفاصيلها أن ننتظر قليلا ريثما تركد المياه وتعود لصفائها؛ فنأخذ نفسا عميقا ونمضي بسلام.




وسوم: #إرث#ألفين


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

عـاجـل :