-

مقالات مختارة

تاريخ النشر - 16-12-2020 11:51 AM     عدد المشاهدات 328    | عدد التعليقات 0

عقارب صخرة ذيبان

الهاشمية نيوز -
رمزي الغزوي

ما زال هناك من تخنقهم رائحة الورود، ويجرحهم رفيف الفراشات قرب عبق الزهور. هناك من تقتلهم بسمةُ الناس وفرحهم وسرورهم، وتؤرقهم ضحكة طفل يطير إلى حضن أبيه. ثمة من يكرهونك؛ لأنك تنسجم مع نفسك، وتبدو سعيداً راضياً، يكرهونك حتى ولو لم يعرفوك أو يجاوروك. ثمة من يود حجب خيوط الشمس عن نهارات الأرض ويدعها ليلا سرمديا في عيون أهلها. ثمة من يمقت الجمال، ويزدري منابعه ويود لو يطمسه بقبح يديه.

تألمنا على حجر ذيبان في منطقة عراعر في محافظة مادبا حين تعرض قبل أيام لاعتداء من مجهولين سوّدوه بحرق إطارات الكاوتشك فوقه وتحته وكسروه. الناس فجعت بهذا العمل الإجرامي الوضيع وراحوا يبحثون عن سبب قد يبرر هذه الهمجية الشرسة.

ينسى الناس أن بعض الأجرام لا يكون لأجل سبب ظاهري، أو فائدة مرجوة تعود على المجرم. أحياناً يكون الإجرام لذاته. القتل لذاته والكره لذاته. وربما يتلذذ البعض حين يرى الألم في أنفس الناس، ويتلذذ أكثر حين ينقبضون ويحزنون ويكتئبون. ثمة من لا ينتظرون مبررا لينفثوا حقدهم على الحياة.

ربما أن هذا المجرم قد أغاظه وأوجعه أن يشاهد ذلك الكم الكبير من موجات الانبساط والأريحية لدى الناس الذين تمتعوا بجمال المنطقة، وجلسوا تلك الجسلة الشاهقة الباذخة الجمال.

بالطبع لا أستغرب مثل هذا العمل الأسود. ففي حياتنا بعض ممن لا يأبهون بالحب ولا بالحق ولا بالجمال. ويؤلمهم أن يحتفي الناس بهذا الثالوث. مع أن القاعدة الإنسانية البسيطة تقول إن كنت لا تستطيع أن تسبب فرحا للآخرين؛ فدعهم دون أن تنغص عليهم عيشهم.

مواقع التواصل كشفت معادن ونفسيات البعض. فنحن نلحظ كيف أن هناك من لا يقع إلا على القبح ويتحراه ويبحث عنه. ولا يمكن له أبداً أن يسجل إعجابا بفكرة قيمة، أو بوردة زاهية أو بفرح لدى الآخرين. هناك من نراهم يحتشدون بكامل قلوبهم السوداء ليسودوا نهارات الشمس.

ما زال ينقصنا أن نعلي من شأن الجمال، ونحتفي به، ونقدره ونقدر أهله، ونعلي من شأن الحق والخير؛ كي لا نترك لمثل هؤلاء فسحة يدخلون بها إلى صميم حياتنا. ولهذا لا يعجبني أن نشبه مجرمي صخرة ذيبان بالأفاعي. فهذه المخلوقات لا تهاجم ولا تؤذي إلا من يهاجمها ويؤذيها. ربما أن من الأنسب أن نرى فيهم شبها كبيرا بالعقارب. فهي تؤذي لأجل الأذى فقط.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :