-

اقتصاد

تاريخ النشر - 07-09-2020 10:26 AM     عدد المشاهدات 321    | عدد التعليقات 0

صكوك الإجارة أداة استثمارية تتيح مجالا واسعا لتحسين اداء الاقتصاد الحقيقي

الهاشمية نيوز - تتفق اراء غالبية الفقهاء ان الصكوك ليست وليدة العصر الحاضر، بل إنها ظهرت في وقت مبكر من تاريخ الإسلام؛ إلا أنها أصبحت في الآونة الأخيرة أكثر انتشاراً من أي وقت مضى، كما انتشر ما يسمى بالأوراق المالية؛ أي الأسهم والسندات.

وقد أجاز الفقهاء المعاصرون إصدار أنواع كثيرة من الصكوك من ضمنها صكوك الإجارة، بينما حرّموا إصدار السندات الربوية. إلا أن كثيراً من الناس بحاجة إلى توضيح معنى الصكوك والفرق بينها وبين السندات، وذلك من حيث التطبيق العملي. أجاز الفقهاء المعاصرون إصدار الصكوك الاستثمارية ومن ضمنها صكوك الإجارة، وقد أجمعوا على تحريم إصدار السندات التي تتضمن اشتراط رد المبلغ المقترض وزيادة. وقد تلتبس تطبيقات الصكوك بتطبيقات السندات بحيث إن كلاً منهما يتضمن رد المبلغ وزيادة، وهل هذه الزيادة أرباح مستمدة من موجودات أو أصول مملوكة من قبل حملة الصكوك، حيث إنهم لا ينالون هذه الأرباح إلا إذا تحققت فعلاً، أم أنها ربا باسم الربح.

جاء في المعايير الشرعية: “يحرم إصدار جميع أنواع السندات الربوية وهي التي تتضمن اشتراط رد المبلغ المقترض وزيادة على أي وجه كان… لا يجوز تداول السندات بيعا وشراء ورهنا وحوالة وغير ذلك… البديل الشرعي للسندات هو الصكوك الاستثمارية“.

ويتبين من هذا النص أن السندات الربوية التي تتضمن اشتراط رد المبلغ المقترض وزيادة حرام ولا يجوز إصدارها وتداولها، كما يتبين أن البديل الشرعي للسندات هو الصكوك الاستثمارية ولكن لابد من التفريق بينهما من حيث التطبيق العملي. والأمر واضح بالنسبة للسندات لأنها قروض على الشركة أو الجهة التي أصدرته لأجل معين وبفائدة معينة ثابتة ومشروطة، أما بالنسبة للصكوك فإن الأمر يتطلب وجود أصول ملموسة تنتج أرباحاً حقيقية من خلال الإجارة وغيرها.

ولكن الفقهاء اختلفوا في مسائل من الإجارة، منها حكم إجارة العين المستأجرة قبل قبضها: هل يجوز للمستأجر أن يؤجرها قبل قبضها؟ كما اختلفوا في صحة بيع العين المؤجرة لغير المستأجر، هل هي جائزة أم لا؟ وهذا ما سنتناوله في السطور التالية ثم نتطرق إلى التطبيق العملي لصكوك الإجارة وسوف يتبين لنا من خلال ذلك الفرق بين حملة صكوك الأعيان المؤجرة وبين حملة صكوك منافع الأعيان المؤجرة.

ثانياً – المستأجر يؤجر العين المستأجرة

قد يستأجر شخص عيناً (داراً مثلاً) ثم يؤجرها بعد قبضها، إلا أن الفقهاء اختلفوا في حكم إجارة العين المستأجرة قبل قبضها: هل يجوز للمستأجر أن يؤجرها قبل قبضها؟

قال الدكتور حامد ميرة: “اختلف العلماء في حكم هذه المسألة على ثلاثة أقوال:

القول الأول: التحريم. وهو المذهب عند الحنفية، والشافعية، وقول في مذهب الحنابلة.

القول الثاني: روي عن أبي حنيفة وأبي يوسف قول بجواز إعادة تأجير المستأجر التي استأجرها قبل أن يقبضها في غير المنقول.

القول الثالث: الجواز. وهو قول في مذهب الحنفية، والمذهب عند المالكية، وقول لبعض الشافعية، والراجح في مذهب الحنابلة“.

وإذا اشترى شخص عيناً فله أن يبيعها وله أن يؤجرها. وهذا يعني أن من حقه بيع العين، ومن حقه إيجارها، وإذا أجرها لمستأجر فليس من حق المؤجر إيجارها لطرف آخر، والمستأجر هو الذي يتصرف في حق الإيجار في المدة المحددة في العقد، أي: يجوز للمستأجر أن يستخدمها لنفسه أو يؤجرها لطرف آخر.

أجاز الفقهاء إصدار الصكوك الاستثمارية ومن صكوك الإجارة، فمثلاً إذا استأجر شخص طائرة لنقل الركاب والبضائع فله حق إيجارها (الإجارة من الباطن)، حيث إنه يقوم بإصدار التذاكر للمسافرين بالطائرة.

وفي هذه الحالة فإن مالك العين المؤجرة (الطائرة) هو المؤجر الأول لأنه أجرها لمستأجر (شركة)، ثم أجر المستأجر الطائرة، حيث أصبح هو المؤجر الثاني، وذلك عن طريق إصدار التذاكر للمسافرين (المستأجرين).

والإجارة ليست مثل البيع، حيث يشترط في بيع السلعة المبيعة القبض، بخلاف الإجارة، فالمستأجر قد يقبض العين المستأجرة ثم يؤجرها، وقد يؤجرها قبل قبضها، كمن استأجر طائرة فإنه يؤجرها قبل قبضها، وهذا يعتبر من تطبيقات الإجارة الموصوفة في الذمة، والمطلوب أن تكون الطائرة جاهزة في الوقت المحدد، والأشخاص الذين اشتروا التذاكر يتجهون إلى المطار للسفر. والشركة عندما أصدرت التذاكر فإنها تتصرف في حقها في الإيجار، وقد صرح ابن تيمية بأنه يجوز التصرف في منافع الإجارة قبل القبض.

قال الدكتور حامد ميرة في حكم إجارة العين المستأجرة لغير المؤجر قبل قبضها في كتابه “صكوك الإجارة“: “اختلف العلماء في حكم هذه المسألة على ثلاثة أقوال… الراجح منها القول بالجواز، وهو قول في مذهب الحنفية، والمذهب عند المالكية، وقول لبعض الشافعية، والراجح في مذهب الحنابلة. وقد استدلوا بأدلة منها:

1- الأصل في المعاملات الحِل والإباحة، ولا يوجد مانع شرعي من إجارة المستأجر للعين المؤجرة قبل قبضها.

2- لما كان المعقود عليه في الإجارة هو منفعة العين المستأجرة لا ذاتها، ترتب على ذلك فروق مهمة بين أحكام البيع والإجارة، منها: أن قبض العين المستأجرة لا ينتقل به الضمان إلى المستأجر؛ وعليه فلم يقف جواز التصرف في العين المستأجرة على القبض، بخلاف بيع العين قبل قبضها“(5).

وإذا استأجر عيناً (داراً أو طائرة مثلاً) ثم قام بتأجيرها بأكثر مما استأجرها به، فهل يعتبر الفرق ربحاً قبل تقديم الخدمة؟

أقول: لا يعتبر الفرق ربحاً قبل تقديم الخدمة. بمعنى أن الشركة لا تعتبر الأموال التي أخذتها من المسافرين ربحاً حتى تقدم لهم الخدمة. فإذا قامت بتقديم الخدمة وحققت ربحاً من خلال ذلك، فإن الربح الذي حققته يدخل في ربح ما ضُمن (أي: لا يدخل في رِبْح مَا لَمْ يُضْمَن(6))، مادامت المنافع المقصودة تم تقديمها. وقد جاء في المدونة الكبرى للإمام مالك: “قلت: أرأيت إن استأجرت داراً أيكون لي أن أؤاجرها في قول مالك بأكثر مما استأجرتها به ويطيب لي ذلك وأسكنها غيري؟ قال نعم(7).

فمثلاً إذا استأجر رجل داراً بعشرين ألف درهم، ثم قام بتأجيرها باثنين وعشرين، (أي: قام بتأجير العين المستأجرة بأكثر من أجرتها) فإن الفرق (أي: ألفين) يعتبر ربحاً. وإذا ماطل المستأجر الثاني ولم يدفع الأجرة للمؤجر الثاني (أي: المستأجر الأول)، فإن المسئولية تقع على عاتق المستأجر الأول تجاه المؤجر (المالك)، ويجب عليه دفع الأجرة للمالك، أي يدفع 20 ألفاً.

ثالثاً – المالك يبيع العين المؤجرة

إن الفقهاء اختلفوا في صحة بيع العين المؤجرة لغير المستأجر، فمنهم من ذهب إلى صحتها، ومنهم من يرى غير ذلك.

قال الدكتور عبدالله العمار: “اختلف الفقهاء فيه على ثلاثة أقوال:

القول الأول: يصح بيع العين المؤجرة لغير المستأجر (وإليه ذهب المالكية، وأكثر الشافعية، وهو المذهب عند الحنابلة).

القول الثاني: لا يصح بيع العين المؤجرة لغير المستأجر مطلقاً (وإليه ذهب الحنفية في قول عندهم، ووجه عند الشافعية وعند الحنابلة).

القول الثالث: إن البيع جائز غير لازم، ويتوقف اللزوم على إذن المستأجر (وهو المذهب عند الحنفية)(8).

يتبين من هذا النص أن الفقهاء اختلفوا في هذه المسألة على ثلاثة أقوال. والسؤال: هل يوجد في النصوص الشرعية مايدل على أنه يجوز التصرف في العين المؤجرة أو المعارة ببيع أو هبة ونحو ذلك؟

نعم، فقد جاء في صحيح البخاري عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، قَالَ: “كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَكُنْتُ عَلَى بَكْرٍ صَعْبٍ لِعُمَرَ، فَكَانَ يَغْلِبُنِي، فَيَتَقَدَّمُ أَمَامَ القَوْمِ، فَيَزْجُرُهُ عُمَرُ وَيَرُدُّهُ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ، فَيَزْجُرُهُ عُمَرُ وَيَرُدُّهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ: “بِعْنِيهِ“، قَالَ: هُوَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: “بِعْنِيهِ” فَبَاعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “هُوَ لَكَ يَا عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ، تَصْنَعُ بِهِ مَا شِئْتَ“.

ووجه الاستدلال بالحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى عيناً مستعارة أو مستأجرة للغير. فقد كان ابن عمر على جَمل لعمر، وكان له (ابن عمر) حق الانتفاع بالجَمل بموجب عقد العارية (أو الإجارة)، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى الجمل من البائع، والجمل بيد المنتفع (المستعير أو المستأجر)، وقد انتقلت ملكية العين حين عقد البيع إلى المشتري، وأصبحت يد ابن عمر (المستعير أو المستأجر) بعد البيع يد أمانة بالنسبة للمشتري، ولذلك جاز للنبي صلى الله عليه وسلم أن يهب الجمل للأمين الذي كان بيده المال.

ونفهم من ذلك أن المالك (المؤجر) إذا باع العين المؤجرة لغير المستأجر فإن الإجارة لا تبطل. بمعنى أنه يجوز للمؤجر أن يبيع العين المؤجرة أو يهبها دون المساس بحق المستأجر في العين. وتنتقل ملكية العين حين عقد البيع إلى المشتري ولا ينفسخ عقد الإجارة، وعلى هذا الأساس لا يجوز المساس بحق المستأجر في العين.

وقد جاء في الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي: “لا تنفسخ الإجارة بخروج العين المؤجرة من ملك المؤجر، كما إذا أجر داراً ثم وهبها أو باعها، لأن عقد الإجارة يرد على المنفعة فلا يمنع بيع الرقبة، وتنتقل ملكية العين حين عقد البيع أو الهبة إلى المشتري أو الموهوب له دون المنفعة.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

عـاجـل :