-

مقالات مختارة

تاريخ النشر - 16-12-2018 09:20 AM     عدد المشاهدات 414    | عدد التعليقات 0

الناس مغطية بشرشف

الهاشمية نيوز -
رمزي الغزوي



انسجاماً مع القاعدة العلمية الكبرى، من أن الطبيعة لا تقبل الفراغَ ولا تحبه. نستطيع أن نتفهم كيف امتلأت عطلة أسبوعنا بقضية هامشية تمثلت بحقيقة: (لقد أعطت الشرشف لأخيها). إي إذا لم تمتلئ الحياة بقضية كبرى، ستملؤها صغائر الأشياء.
وانسجاما مع معرفة أنك لن تستطيع وضع شيء من الجواهر في صندوق ممتلئ بالتراب. بل سيترتب عليك أولاً إزاحة شيء منه قبل وصنع جوهرة أو بيضة أو وردة. ففي أزمنة الضياع والخسائر الفادحة، سترى كيف أن المجتمعات تحاول جاهدة إيجاد مهارب تنفيسية، تكون في بعض المرات على هيئة نكات عالية السقوف، أو من خلال التعلق بتوافه الأمور.
ففي خضم حصار البيزنطية (في ما بعد أصبحت إسطنبول) انشغل أهلها بقضايا غاية في السطحية، كالاختلاف على تحديد جنس الملائكة. هل هم ذكور أم إناث؟. وما هي أشكالهم وألوانهم؟، حتى سقطت مدينتهم بسيف السلطان العثماني محمد الفاتح.
ولو أمعنا النظر سنجد بسهولة أن وسائل التواصل الاجتماعي تنشغل في كل أسبوع بشيء يلهيها ويملؤها. وبلا شك فإننا نجد في بعض الأحيان قضية جوهرية تفعل هذا، ولكن السواد الأعظم في فضائنا الاجتماعي ستجده منشغلاً بقضايا أكثر سخفا من جنس الملائكة، أو حتى لماذا أعطت الكنة الشرشف لأخيها؟.
وصلتني 163 رسالة على واتساب ذات محتوى واحد، وهو تسجيل لسيدة منفعلة توبخ ابنها عبر الهاتف، لأن زوجته فرطت في الهدية التي جلبتها لها، وهي الشرشف، الذي غدا بحوزة أخ الكنة. وأن الحماة لا تريد سوى الشرشف ذاته ذاته.
المكالمة لربما تبدو للوهلة الأولى طريفة. ولكنها تخفي في داخلها سؤالا واخزا كبيرا. أهذه هي القضايا الكبرى العظيمة التي تشغل الشارع الأردني، الذي عليه ما عليه من التبعيات والمشاكل والهموم والأحمال المايلة؟؟.
وسألحقه بآخر أكثر مرارة. هل كان يتوقع ابن تلك السيدة حينما سرب مكالمتها إلى وسائل التواصل، أنها ستكبر وتجتاح العالم، لتصبح مضغة سخرية في أفواه السهرات. ومن العادلة أن نفكر لوهلة بمدى الألم العميق الذي سينتاب تلك الأم وأبناءها وذويها، حينما يلمسون حجم الموجة التسونامية التي خلفتها المكالمة بعد شيوعها في الأرجاء.
في زمننا هذا، كل من يملك هاتفاً نقالاً يصبح وزير إعلام في وزارته الخاصة، وهو صحيفة نفسه، وإذاعتها وتلفازها. ويستطيع أن يستخدم كل هذا في مخاطبة الدنيا. ويبقى الفيصل في المحتوى. بماذا نعبئه ونملؤه ونشغله؟. ولهذا فشراشيب الشرشف ستجعلنا نقول بحزن: عقول بعض الناس مغطاة بشرشف.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :