-

مقالات مختارة

تاريخ النشر - 18-10-2017 12:03 PM     عدد المشاهدات 697    | عدد التعليقات 0

أمي .. وآلة الخياطة

الهاشمية نيوز - رنا حداد

ها أنا أمسك الأبرة والخيط، لتعود بي الذاكرة إلى سنين مضت، كنت أراقب فيها أمي حين تجلس عصرا إلى ماكينة «السينجر»، المحاطة بهالة من احترام وتقدير، ولربما خوفا منا جميعا؛ لأننا كنا صغارا لا نعي أهمية الخياطة، ولا حتى هذه الآلة.
كانت ماكينة من أملاك والدتي التي تعني لها الكثير، ولا تحب أن يعبث بها أو يقترب منها أي كان من أفراد العائلة، آلة الخياطة تلك كانت مجللة بغطاء خاص، قابعة بهدوء تام في زاوية من زوايا المنزل، حتى تمنحها أمي معنى الحياة.
وهناك صندوق أيضا، يحفل بكل ألوان الخيوط وأحجام إبر الخياطة والمقصات.. هذا هو عالم أمي الخاص .. وتعود بي الذاكرة أيضا إلى المدرسة وإلى المعلمة التي كانت تصرُّ في حصة «التدبير المنزلي»، أن نتعلم إعادة الأزرار «الساقطة»، إلى مكانها، وتعليمنا أشكال «القطب»، وأيضا «رثي»، الثياب واستصلاح التالف من هذه الثياب.
أكثر ما كان يلفت انتباهي بعلاقة أمي ومعلمتي مع الخياطة هو «الصبر»، و»طول الأناة والبال»، وكذلك الاصرار على المثابرة والعمل.
لا أعرف اليوم إن كانت المعلمات يوجهن الطالبات في حصص التدبير المنزلي على الخياطة.. وأمي اخيرا هجرت «السينجر»، مدفوعة بميلنا لشراء «الجاهز»، من الثياب، ورمي ما أصابه من عطب، فلا مبرر ولا حاجة للرثي أيضا، بل إننا بتنا نشتري الثياب ممزقة على سبيل «الموضة».
«سينجر» كم نحن اليوم بحاجتها لرثي علاقاتنا مع بعضنا البعض واصلاح التالف من علاقات اجتماعية تحتاج إلى خبرة ودراية ومعرفة بوصلات وحبكة، تحتاج خيوطا متينة، نحتاج أكثر إلى «خيّاط» ماهر، يحمل قلب أم، تحلم بالأجمل لطفلتها...نحتاج من يرثي ما قد تمزق من عواطف ومشاعر وأحاسيس، و ما أصيب بالعطب في علاقاتنا الأسرية والاجتماعية وحتى العاطفية منها.
التغيرات التي عصفت بحياتنا كما عصفت بملابسنا، لم تسألنا يوما عن احتياجاتنا العاطفية، التي منحتنا أكثر حاجاتنا المادية، فلربما ثياب السوق أجمل، لكني وبكل ثقة أقول أنها لا تحمل دفء أمهاتنا.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

عـاجـل :