-

المجتمع والناس

تاريخ النشر - 16-04-2021 10:41 AM     عدد المشاهدات 1678    | عدد التعليقات 0

حكـواتــي الحـــارة

الهاشمية نيوز - لا بد من حكواتي في كل حارة أو تجمع شعبي ما، يتقن السرد الروائي مشافهة وتحديدا ما هو تاريخي أو خرافي، يدرك كيف يبدأ وأين ينتهي، يجيد مهارة التشويق وحبس أنفاس مستمعيه من حوله.
في حارتنا قديما بالزرقاء وتحديدا في النهارات الرمضانية القائظة والطويلة، كان هناك أحد الأصدقاء وكان حكائيا يجيد فن السرد، حد التفرد بملكته الفطرية تلك. أتذكر حلقاته القصصية حول سيرة الزير السالم ورواية ثمانون عاما بحثا عن مخرج، وهو ينثرها على أسماعنا في الزوايا المظللة، بين الظهيرة وبعد العصر بلغة بصرية فائقة.
لم نكن قد تجاوزنا الرابعة عشرة من أعمارنا وكان هو في مثل عمرنا تماما. حضوره كان يغني عن فوازير ذلك الزمن الغابر ومسلسلاته المبثوثة على قناتنا الأردنية اليتيمة (قناة3) والتي تبدأ مع الغروب.
ذلك الصديق ظل مواظبا على تتبع ملكاته الفطرية حتى بعد أن كبرنا وفرقت بيننا الحياة.
أصبح شاعرا وكاتبا وسيناريست مسلسلات رمضانية، وكلما شاهدت له حلقة تلفزيونية من تأليفه يداهمني إحساس خفي بأن للحكائين في الحارات وبين الناس دورا لا ينبغي له أن ينتهي أو ينقطع.
في الشام عرفت «الحكواتي».. في حي القيميرية وبين حارات الشام القديمة وتحديدا في مقهى النوفرة التاريخي، كان يعلو هتافه وهو يحرض الحضور على أعداء قطز والظاهر بيبرس وأيبك.
كان يحل المساء متأخرا ليطبق بظلاله الشاحبة على أسوار الحارات الحجرية في الحي الدمشقي العتيق. مصابيح الأعمدة تطلق نحونا أشباحها التاريخية حتى يكتمل النصاب، ولينتابني شعور مفاجىء بأن قوات فرنسية راجلة توشك أن تداهم المكان.
(الحكاؤون) بتلك الموهبة لا يسردون الكلام فحسب بل يوظفونه لبث أجواء وإيحاءات غريبة وغامضة لجذب انتباهنا ومصادرته.
جداتنا القديمات كان لهن أيضا تلك الموهبة.
لا يشرعن في الحكي المخيف إلا بعد احتراق ذؤابة الفانوس ليغدو ما حولنا مخيفا، ظلالنا وربما ظلها وهو يرافق السرد.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :