ذئبٌ في ثوبِ حَمَل

الهاشمية نيوز -
د.حسان ابوعرقوب

في أحد البلاد التي عشت فيها، تعرّفت على شيخ طويل القامة، سمين (ذو كرش) يُظهر أثر النّعمة على صاحبه، طويل اللحيّة، ويصبغها بالسّواد، ومحفوف الشارب، يرتدي (الحطة) دون عقال، ويظهر عليه أنه من أهل الدّين والوَرع، فصيح اللسان، واضح البيان، سليم اللغة، أقرب ما يكون إلى الموسوعة العلمية المتنقّلة، فله تعقيب على كل قول، وتذييل على كل كلمة، وقصة تتصل بقصة، ومعارف بعدد شعر الرأس، لا تملّ من حديثه وجلسته، حيث يروي لك مغامراته مع علماء كبار، لم يتح الزمان لك فرصة لقياهم، ويوحي إليك أنه وحيدُ عصره، وفريد دهره، له في كلّ مسألة كتاب، ولكلّ خطاب جواب، وعلى كلّ عالمٍ ردّ، وهكذا أمضى عمُره، في تتبّعِ ما قيل ويقال، وفي ردٍّ وجواب.
لا أنكرُ أنني أُعجبتُ به عندما التقيته، فهو ذو لسان دافئ، يوحي إليك أنه معك وفي صفّك في كلّ ما تتكلّم به، مع أنّك تعرف حقيقة موقفه، وأنه يخالفك في كلّ شيء، إلا أنه يظهر خلاف ذلك، ولا أدري لماذا، فهو يمارس لعبة الوجوه المتعدة، والألسنة المتشعبة إرضاء لمن هو أمامه، في محاولة ماكرة للدخول إلى قلبه، والسيطرة عليه.
تعجّبتُ كثيرًا من أصحابي الذين لم يقبلوا بالجلوس مع هذا الشيخ، فكشفوا لي عن سرّ موقفهم بقولهم: (هذا الشيخ يتلقى أموالا من جهات خارجية، يشتري ذمم الناس، ويجنّدهم لفكره، وعنده فريقُ عمل يقومون على إخراج كلّ تلك الكتب والرّدود التي يضع اسمه عليها زورًا وبهتانًا، ثم إنّه من كتبة التقارير، ولا تستغرب إن تمّ استدعاؤك في القريب العاجل) وهذا ما حصل بالفعل، تمّ استدعائي وتوجيه بعض الأسئلة المتعلقة بحوارات دارت بيني وبين هذا الشيخ المدّعي، فأيقنت أنّه من أوصلها، علمًا أنه ليس فيها ما يسبب لي إدانة، ولكنّ النشاط الدّعويّ الزّائد لم يكن مرغوبًا فيه في تلك الدّولة.
إنها شخصية غريبة، إنه ذئبٌ مفترسٌ في ثوب حَمَلٍ وديع، ينتظر الفرصة لينقضّ عليك، ويكشر عن أنيابه، ويفترسك حيًّا، كأكلة لحوم البشر، دون شفقة أو رحمة، وبسبب هؤلاء طعن فريق من الناس في العلماء والصلحاء وأهل التّديّن من المسلمين، لذلك علينا أنْ نحذر من أمثال هؤلاء الذئاب، وأن لا نعمّم الأحكام على كل العلماء، فإن هؤلاء الذئاب يتشبّهون ظاهرا بأهل العلم، وأخلاقهم منه بَراء، وهؤلاء هم القلة، ولن يعسُرَ على كلّ لبيب معرفتهم وتمييزهم؛ ليكفي نفسه شرّهم.