موسم الحرب والعنب

الهاشمية نيوز -
رشاد ابو داود

الحياة مواسم لكنها ليست كالمواسم. صيف، شتاء، خريف، ربيع. وكل فصل ليس أربعة شهور. الفصل في الحياة قد يكون اسبوعاً أو شهراً أو سنة. فلا تبتئس ان جاءك الخريف في الصيف، والصيف في الشتاء. قد يأتيك الربيع طوال السنة وقد يمر الخريف مرور اللئام، وما أكثرهم في هذا الزمن.
أنت أيها الانسان شجرة. بالماء تحيا و من صلصال كالفخار خلقت. قد يكسرك حجر صغير، وقد يجبر عظمك كلمة. ابق واقفاً لا تهزك الريح، وان هبت عاصفة لا بأس أن تنحني قليلاً حتى تمضي العاصفة. وان سقطت منك أوراق لا تيأس فثمة ربيع آت. أوراق جديدة ستكسو حاجتك. ستأتيك العصافير بأغنيات موسم فرح.
لولا الليل لما كان النهار. ولولا الشر لما كان الخير. انها ثنائيات الحياة المتناقضة. فاصبر ثم اصبر ثم اصبر. ثمة بياض حتى في السواد ولولا لسعة النحلة لما تذوقت العسل.
الطريق ليست طويلة لكننا نتعب حين نمشي على الشوك وننسى أن الشوك بيت الوردة. وان ضاقت عليك لا تعتب على الطريق، قد يكون حذاؤك هو الذي ضاق على قدمك. لا تشغلك الطارئات على حياتك ولا تعميك عن هدفك غبار الطريق. الغبار مسألة عابرة. خلِّ بصيرتك مفتوحة على الضوء، وبصرك على الجمال. الجمال في نبتة شقت طريقها بين الصخر، في ابتسامة طفل يلثغ بـ «ثباح الخير» تضيء صباحك و بزهرة لم تكن في الليل زهرة لتتفتح وتفتح لك باب نهار جديد.
الدالية التي كانت قبل شهرين هيكلاً من عظم الشجرة، ها هي تورقت وتدلت منها قطوف العنب. العنب لا يصير عنباً ما لم يكن أولاً حصرماً. الحصرم مع الصبر يتعنب، فتمتع بحلاوة العنب و باللحظة فهي لا تعود. المواسم عمرك و عمرك مواسم. طبعاً، لا انسان مخلداً، ستكبر وتهرم، قد ينحني ظهرك أو تضيق عروقك أو يجف مطرك. لكن تأكد أنك لم يفتك ان تحيا لا أن تعيش. ثمة فرق بين الحياة و العيش. الروح نبع حياة البشر والعيش في متناول كل ما دب على الأرض.
قيل لي ذات أزمة « اياك أن تذبل روحك». جملة أحيتني سنين و لم تزل. لاااا تذبل. لا تستسلم لنعيق الغربان، ولا لهدير المشاكل، أو ثقل النقصان. نقصان المال أو العاطفة أو الحنان. لا يهدك الحيطان حين تقع من حولك ولا يهددك اليأس وتسد أذنيك طبول الحروب التي قد تقع و لا تقع.
هذا لا يعني أن تكون محايداً في مسألة لا يجوز فيها الحياد. ثمة صهيوني يحتل جوهرة العرب «فلسطين» وقدس فيها أبناء القردة. ثمة متصهينون عرب يفتحون لأعداء العرب بوابات المدن و التاريخ ويزيفون الحقائق ليفوزوا برضى بني صهيون.
لكن ثمة أيضاً عرب عرب لم تزغ بصيرتهم ولا بصرهم، وأطفال يطردون المتصهينين المطبعين من أزقة القدس. انه خريف العرب، وما بعد الخريف الا شتاء و ربيع، ولا بد أن يعود الى «تل أبيب» اسمها العربي «تل الربيع «.