-

مقالات مختارة

تاريخ النشر - 16-07-2019 10:47 AM     عدد المشاهدات 331    | عدد التعليقات 0

حوت القمر

الهاشمية نيوز - كانت بعض الشعوب البدائية تفسر حدوث الزلزال بطريقة فنتازية مضحكة. فالأرض باعتقادهم محمولة على قرن ثور يمخر عباب الفضاء لاهثا بسرعة، ولكنه حين يريد أن يريح قرنه، يقذف كرة الأرض إلى قرنه الآخر، فيحدث الاهتزاز ونتزلزل فوق صفحة الأرض.
وحين كان يخسف القمر، كانت تلك الشعوب ترتعب وتخاف ومنها الشعوب العربية، فتدق الطبول الصاخبة والأواني والصواني، لأن الحوت الذي يطارد القمر، كما كانت تعتقد قد ظفر به أخيراً وابتلعه، ولهذا يحاولون أن يرعبوه بقرقعة المعادن وضجيجها وزمجرتها، كي يترك قمرهم الجميل في سبيله.
للاسف.الناس لا تلتفت للاشياء إلا إذا خسفت. فمنذ بضع ليال والقمر المتنامي يرعى قطعان الغيم بوداعة في سماء نادرة الجمال. ولأننا لا نشعر بقيمة الأشياء، إلا حين يحجبها عنا حجاب، ولأننا لا نتذكر أصابع الحبيب وموسيقاها في أوتار أرواحنا إلا حين يغيب، فكذلك نحن لا نلتفت إلى القمر، إلا إذا خسف، أو غطاه دخان بركاني أو سعى حوت لابتلاعه. ياااااه ما أتعس إعتياد الأشياء الجميلة. وكم يخسر ذاك الذي لم يعش لحظاته بحذافيرها بعمق عميق.
النهار لم يكن يكفي، ولهذا تاق أجدادنا إلى اكتمال القمر في الحصيدة، كي يتابعوا أعمالهم على بيادر القمح. كان ينير لهم ويؤنس وحدتهم ويذكرهم بقمر بعيد. وكان ثمة موال يشق عباءة الليل فيصل بشجنه إلى بنات نعش (أربع نجوم على شكل مربع في مجموعة الدب القطبي). مع العلم أن عشاق أيام زمان، كانوا لا يحبون القمر بدراً، لأنه يفضح تحركاتهم الليلية ولقاءاتهم بمحبوباتهم.
الليلة سيكتمل قمرنا مثل رغيف، وستدهشنا بعض الغيوم التي تجيش حوله بوداعة. الليلة يكتمل قمر الحصادين أو مقلق العاشقين. ولأننا لا قمح زرعنا، لا حصيدة لدينا، سيعجبني أن أنتظر قمري على بيدر أحلامي. أريد أن أتفقد قمح قلبي من جديد، أريد أن أعد سنابل قصائدي، أريد أن أرندح موالا لحبيبي. أريد أن أغني له أغنية يحفظها عن ظهر حب، منذ مليون سنة وأكثر.
الليلة سيكون جزء من قمرنا على موعد مع بطن الحوت، سيخسف لفترة طويلة، ولكننا لن ندق جدران الخزان، ولن نطرق الطناجر، لأننا لو اردنا أن نطرق على المعدن كلما أكل حوت من حيتاننا شيئاً لظللنا بين الطناجر والخزانات.
أدعوكم أن تتناسوا حيتاننا الأرضية التي إن بلعت شيئاً لن تظهره، بل تطير به إلى بلاد الواق واق. بعكس حوت السماء الشفيف الذي سيظهر قمرنا المبلوع قمراً نحاسياً. أريدكم أن تتابعوا هذا الجميل فهو يذكرنا بأن نحب أحبتنا، كما ينبغي، فهناك ثمة خسوف يتربص بنا.




وسوم: #حوت


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :