-

مقالات مختارة

تاريخ النشر - 21-05-2019 11:01 AM     عدد المشاهدات 447    | عدد التعليقات 0

جثة الخط الحديدي الحجازي!

الهاشمية نيوز -
رشاد ابو داود

هل صحوت يوماً ووجدت عمان مكان دمشق، أو السلط مكان نابلس، أو بيروت مكان يافا، أو الكويت مكان البصرة، والقاهرة مكان بغداد ؟! قطعاً لا، ثم هل لاحظت الشبه في البنيان و في الشوارع ووجوه الناس في كل المدن القريبة من بعضها في وطننا العربي المترامي الأطراف قبل أن يصبح مطية لمترامي الأرداف ؟!
انها الجغرافيا الصادقة الصلبة، وهو، «التاريخ الذي يكتبه عادة المنتصرون»، كما قال ونستون تشرشل، أما التاريخ الحقيقي فانه يُدفن مع الموتى والضحايا،
مئة سنة مجرد رمشة من عمر الزمن، فقبل مئة سنة كان العرب بلا حدود ولا جوازات سفر ولا..استعمار رفع و نفذ سياسة «فرق تسد». وعدنا بالحرية فكبلنا بالقيود، وبالاستقرار فوضع قنابل موقوتة بين «الدول» التي رسمها البريطاني مارك سايكس والفرنسي فرانسوا جورج بيكو.
عن تلك الفترة التي سبقت التقسيم كانت جدتي تحدثني كيف كان ابوها يأخذها معه من يافا الى حيفا ومن هناك يركبون البابور «القطار» الى طبريا و بيسان وهو الخط الذي كان يصل الى درعا ومن هناك مرورا بأراضي الأردن الى المدينة المنورة، وقد أقامت الشركة التي قامت ببناء ومد الخط الحديدي بين درعا وحيفا عشرات المباني لمحطات القطار، من ابرزها مبنى القطار في شرقي مدينة حيفا والذي تعرض الى عملية ارهابية نفذتها العصابات اليهودية في عام 1946، مما ادى الى انهيار الجزء الشرقي من المبنى. وكذلك عددا كبيرا من الجسور والانفاق، خاصة في منطقة الحمة ونهر اليرموك.
وقد استفادت الحركة الاستيطانية اليهودية آنذاك من مد الخط لبناء مزيد من المستوطنات في مرج ابن عامر بعد ان اشترته الوكالة اليهودية من عائلة لبنانية، حيث ساهم هذا الخط الحديدي في تطوير المستوطنات اليهودية اقتصاديا واجتماعيا، حتى بلغ الامر بقيادات الصهيونية ان اطلقوا عليه «قطار المرج».
في أواخر الستينات، ذهب عدد كبير منا أبناء الزرقاء للدراسة في جامعة دمشق لأن الجامعة الوحيدة في الاردن «الجامعة الاردنية « لم تكن تستوعب كل خريجي التوجيهي، ومن محطة «العم أبو زهير فريج» كما كنا نسمي محطة القطار توجهنا الى الشام، صحيح ان الرحلة كانت تستغرق ثماني ساعات الا أنك كنت ترى صفحة بهية من تاريخك العربي قبل التقسيم، لا خط طبيعياً يفصل بين سهول حوران ولا لهجة تفرق بين أهل الرمثا و درعا،لا رائحة سوق الهال تختلف عن رائحة سوق السكر في عمان ولا أزقة دمشق بعيدة عن أزقة السلط و نابلس،
لم نحتجْ الى مترجم لنفهم ما يقوله أهل دمشق، ولا الى حنان أم تعوضك عنه أم دمشقية تسكن عندها فتصبح واحداً من أبنائها، تأكل من مجدرتها بالبرغل، وفولها بالزيت او بالرز، وتزجرك ان تأخرت في العودة الى البيت،
فتحت الذاكرة بابها على ما سبق فسمعت أنين وجع، كنا شامًا و مصرَ وحجازًا ونجدًا ويمنًا ومغربًا عربيًا، مئة سنة والجرح ينزف دولاً وخلافات و حروبًا وجثة خط حديدي ممنوع احياؤه لكي لا نتواصل،
ونحن الآن على أبواب ربما مئة سنة أخرى ان رضخ العرب لصفعة القرن و تخاريف الكاوبوي الاحمق في البيت الابيض!






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :