-

مقالات مختارة

تاريخ النشر - 30-04-2019 10:21 AM     عدد المشاهدات 385    | عدد التعليقات 0

الحياةُ حمولة زائدة

الهاشمية نيوز -
رمزي الغزوي

لم تعد أخبار مخالفات المرور تمثل حمولة زائدة تثقل أحداً. ربما هي أحمال خفيفة تنسى لحظة وقوعها، أو أننا نهضمها برحابة صدر دون أن نشعر بخطرها أو مآلات اعتيادها. وكأن الموت وظلاله ليسوا إلا حالة اعتياد.

أول أمس كان بودي أن يعتقل سائق سيارة حديثة يقود بسرعة كبيرة في شارع الأردن. والسرعة ليست بؤرة الخطر والمخالفة هنا، فأكثرنا لا يقودون إلا مثله. بل ذلك المغوار كان يعاكس السير فارشاً ابتسامة عدم اكتراث على وجهه ويديه وعنجهيته.

الاعتياد موت آخر. وإلا كيف نفسر أننا لم نعد نخاف أؤلئك الذين يجرون مكالمة هاتفية وهم يقودون سياراتهم. هو مشهد يومي نتألفه ولم نعد نستنكره أو نستكثره. حتى أن خوفنا تضاءل ممن ينهمكون بتصفح هواتفهم النقالة، أو ينشغلون بكتابة رسائل واتساب وهم يقدون بتوتر وشرود. فنحن لا يروضنا إلا الاعتياد ولا يقتلنا سواه.

في خبر طريف انطفأ كشهاب صغير قبل يومين أن الدوريات الخارجية على طريق المطار أوقفت (باصاً) سعته 5 ركاب؛ لأن لديه حمولة زائدة 14 راكباً. نعم هذا الباص كان يقل 19 إنساناً على طريق سريع.

لولا الاجراء الذي اتخذته الدوريات الخارجية بحق هذا المخالف لكانت هذه الحادثة مشابهة لقصة ما زال يرويها لي أحد أبناء بلدتنا حيث اعتادوا في شبابهم أن ينتقلوا بسيارة صديقهم إلى المدينة لحضور مباراة كرة قدم. وذات عودة يوقفهم شرطي السير ويتفاجأ أن 15 شابا ينزلون من السيارة واحداً تلو الآخر ليتوسلوه أن لا يخالف سائقهم فهو (هبيان). الشرطي المذهول بعدد ركاب سيارة المرسيدس 200 أقسم إنه لن يخالف السائق إن استطاع أن (يصفطهم) من جديد. وهو ما حدث.

قبل أشهر سقط أمامي عيني طفل من سيارة أبيه نصف النقل في إحدى القرى. ولولا أننا أطلقنا زواميرنا لما توقف لرفع حمولته التي سقط منها طفل في السادسة. الطفل لم يحدث له شيء بحمد الله، لأنه سقط لحظة الانعطاف. لم يحدث له شيء إلا تلك الصفعة النارية التي تلقاها من والده لعدم تشبثه بشكل جيد في الصندوق.

مؤلم أن نعتاد هذا. ومؤلم أكثر أن نعتاد الاعتياد ذاته. فنحن نشعر أننا حمولة زائدة على الحياة في كوكبنا؛ وإلا لما تجرأنا على تبذير حياتنا بهذا الشكل المنفلت. نحن نتصرف وكأن حياتنا زائدة عن حاجتنا، وإلا ما معنى أن تكتب رسالة (واتساب) وأنت تقود بسرعة في شوارع مهلهلة تبعجها المطبات والحفر. وما معنى أن تحشر 19 إنسانا في صندوق سريع مثل علبة سردين.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :