وداعاً أبا علي

الهاشمية نيوز -
محمود الزيودي

أول درس أخذته في مهنة المتاعب كان من المفكر الذي نودعه اليوم طارق مصاروه . ناداني وهو يشغل وظيفة مدير برامج الإذاعة عام 1974 أبدى ملاحظة على برنامجي أريافنا وبوادينا ... قلت له ماهي حلقة وبتعدّي ... قال بهدوئه المعروف ولكن اسمك يذاع معها ككاتب ومقدم . منذ ذلك الحين وأنا أردد جملته الدرس لنفسي وللآخرين . ناداني إلى الدستور في مبناها القديم وهو يعرف تجوالي في البوادي والأرياف الأردنية بحكم برنامجي ... خذ معك كاميرا وصور الناس ومعاشهم واكتب لنا ... وهكذا ولدت سلسلة تحقيقات صحفيّة بعنوان الدستور تفتح ملف محافظة ... أنشأ مع مريود التل مجلة ( الافق ) سياسيّة تحت غطاء اقتصادي واستقطب تلاميذه وأنا معهم ... أكتب عن الناس في الأطراف والمدن البعيدة .. عمان الها زلمها اللي يكتبوا عنها ... لم تعمّر المجلة طويلاً وافترقنا حتى جمعتنا مهنة الدراما وهو مدير الشركة الأردنية للإنتاج الإذاعي والسينمائي والتلفزيون . استكتبني مسلسلاً تالياً لمسلسل هبوب الريح واصر على ابراز دور شاعر الأردن عرار مصطفى وهبي التل في منفاه بالشوبك كمدير ناحية يمارس العمل الوطني أينما حل ... وفوق كل هذا لا يفوتني مقاله اليومي في الدستور والرأي . فهو يعطي الكثير في الأسطر القليلة من مقاله المحدود المساحة ... وكانت بعض أفكاره تثير نقاشاً يبدأ ولا ينتهي . وتجلب له غضب سياسيين اعتادوا تدجين بعض الكتاب ... كان المغفور له الملك الباني الحسين بن طلال يقرأ لطارق يومياً ... ذات مرة حين قرأ له مقالين بافكار متداخلة اقرب الى التشتت فسأل ... ما له صار يلاخم ؟؟. اسألوه شو فيه ؟؟. جاء الجواب انه مديون على بناء بيته في الكماليّة . دفع رحمة ابي عبدالله الدين .. وعاد الألق لكلمات الكاتب كما ورد في كتاب ملك يختزل عنفوان النص للزميلة ملك يوسف التل ... شكل مع الراحلين جورج حداد وفهد الفانك ثالوثاً فكرياً أثرى الصحافة الأردنيّة وأثرى عقول قرائها بالمعرفة . وقد أثّروا في الجيل التالي من كتاب المقالة الأردنيين ممن انتهجوا عين المدرسة فيما قلّ ودلّ ... نحن بوداع طارق مصاروه نودع جيلا من كبار الكتاب الذين أفنوا حياتهم بخدمة الصحافة الأردنية ... لا شك أن فقدانه لشريكة حياته أم علي منذ سنوات قد أثر على صحته ... وداعاً أبا علي إلى رحمة الله.