-

مقالات مختارة

تاريخ النشر - 05-03-2019 11:30 AM     عدد المشاهدات 522    | عدد التعليقات 0

يوم غضب السيل!

الهاشمية نيوز -
رشاد ابو داود

كنا أربعة زرقاويين، أبناء المدينة الصبية الرشيقة. خصرها من السيل الى المعسكر، وطولها من آخر عوجان الى المستشفى الحكومي، وهو الوحيد في المدينة. ويحيط بها من الجنوب والشرق سوار جميل من سكة الحديد. أحياؤها معدودة على اصابعها الطرية. البلد وشوارعها : شارع السعادة، شارع شاكر، شارع الجيش، شارع شامل، شارع الخياطين، وغيرها. حي الضباط، جناعة، معصوم، المخيم، الغويرية، الجبل الابيض.
كنا في «ثانوية الزرقاء « أو ما يعرف بثانوية قصر شبيب وهي الوحيدة الحكومية اضافة لمدرسة الثورة العربية «النصر» التي كانت تقتصر على ابناء الجيش. أيام الخميس كنا «نتغرب» الى عمان. وسيلتنا باص ابو الياس، وهو واحد من أربع باصات كان موقفها أمام صيدلية الشعب على الشارع الرئيسي. لا يتحرك الباص الا عندما يأتي الباص الآخر. ما أن يتحرك باصك حتى يقف الكنترول ويقطع لك «بوليت « لتناوله ثلاثة قروش ونصف. نتهاوش من يجلس بجانب الشباك ليرى في الطريق عوجان ومصنع الاجواخ والرصيفة ومخيم شنلر، ماركا حتى يصل الباص الى الموقف الاخير قرب مبنى الأمانة القديم.
عمان كانت عالماً آخر بالنسبة لنا. أهم معالمها بالنسبة لنا كان مطعم هاشم، فلافل فؤاد، سينما زهران وكافيتيريا على الدوار الاول نحتسي فيها..الشاي أو أشياء أخرى ! المحطة الاولى كانت رغيف فلافل فؤاد بقرشين ثم صعودا الى سينما زهران، مروراً بكنافة حبيبة على اليمين ومقهى السنترال على اليسار، الى السينما والتذكرة بخمسة قروش.
الرائج حينذاك كانت الافلام الهندية وأفلام سعاد حسني وليلى لطفي وعبد الحليم حافظ واحمد رمزي وحسن يوسف، اضافة الى «وحش الشاشة» فريد شوقي ومحمود المليجي واحمد مظهر. الافلام كان بعضها عن قصص قرأناها مثل « الوسادة الخالية « و»بين القصرين». نراها لنجد خيالنا أمامنا حقيقة متخيلة.
ما أن ينتهي الفيلم حتى ننزل مشياً، طبعاً، الى وسط البلد ثم الدوار الاول لنجلس في الكافيتريا، نسيت اسمها، لنمارس مراهقتنا بكامل طيشها و.. عطشها. في المساء نعود الى وسط البلد عائدين الى زرقائنا.
لم يكن السيل مسقوفاً. على جانبيه بضع محلات تبيع كل شيء، وبعضها لا شيء. مجرد اشياء لا لزوم لها من حنفيات مكسورة وبوابير قديمة وفوانيس كاز مهترئة وراديوهات ذات بطاريات «بيريك» الزرقاء الكبيرة بحجم بطارية السيارة و..ما حصلت عليه ايدي اللصوص، لذلك أسموه سوق الحرامية.
تذكرت ما تذكرت وأنا أشاهد سقف السيل وقد أصبح نهراً جارفاً في الشتوة الاخيرة. فحين عدت الى بلدي من الغربة حرصت ان أتعرف على الاماكن التي كانت غريبة عني ومنها وسط البلد وسقف السيل، أنا ابن الزرقاء ومعي نشأت مطر وقاسم الجغبير وخليل مبيضين وفاروق نصر ومحمد الشيشاني واسامة مدانات وفهد عبيدات. هل لاحظتم هذا المزيج الجميل من أبناء المدينة التي لم تكن تعرف العنصرية ولا الجهوية والعصبية، لا المناطقية ولا الدينية ولا الأصول والمنابت.
أيامنا، كان الزمن يمشي ببطء واثق. كل خطوة بحساب، والمحاسب الاول هو الضمير والاخلاق والاخلاص. منظومة متكاملة داخل الموظف والمدرس والعامل والبائع والحمال.
مشى الزمن سريعاً فسقط الكثير من الاخلاق وتفشى الفساد و...فاض السيل على الناس!




وسوم: #يوم#غضب


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :