-

مقالات مختارة

تاريخ النشر - 09-12-2018 11:27 AM     عدد المشاهدات 353    | عدد التعليقات 0

المطر كلُّه خير .. ولكن .. !

الهاشمية نيوز - علاء الدين أبو زينة



هطلت أمطار الخير في الأيام الثلاثة الأخيرة. وهي كلها خيرٌ مطلق ولا يمكن أن تكون غير ذلك. ومن المؤسف أن تكون بدايات هذا الشتاء قد شهدت أزمة وطنية كان المطر فيها بينَ الملومين. لكنّ المطر بريء من المسؤولية التي يتحملها سوء التكيُّف البشري مع شأن عادي وإيجابي من شؤون الطبيعة.
إذا كان المناخ قد تغيَّر حقاً في منطقتنا وعبر التغير عن نفسه بزيادة الهطولات المطرية تحديداً، فإننا نكون من المحظوظين القلائل الذين يستفيدون من التغيُّر المناخي في هذه المرحلة. وربما يتجاهل المعظم حقيقة أن شُح المطر هو الخطر الاستراتيجي والوجودي الأكبر الذي يهدد مستقبل الأردنيين؛ أكثر من الأزمة الاقتصادية والضرائب والإرهاب. وتضع بعض التصنيفات الأردن في المرتبة الثالثة عالمياً من حيث الفقر المائي –ويرى آخرون أنه الأول. وفي مقابل الزيادة السكانية، وموجات اللجوء، يشهد البلد انحساراً متواصلاً في موارده المائية إلى درجة تحذير الجهات الدولية من كارثة مائية مخيفة وشيكة في البلد.
لمختلف الأسباب، أصبح المطر في الأردن مصدر رعبٍ للمواطن والمسؤول على حد سواء في السنوات الأخيرة. وأصبحنا نشهد إغلاقات الطرق والإجراءات الأخرى تتخذها الجهات الرسمية كلما تنبأ الراصدون بقدوم الأمطار، خوفاً من الاضطرار إلى تحمل المسؤولية عن حوادث محتملة مع سقوط المطر. ووصل الأمر إلى التوصية بتجنب الخروج من المنزل وخوف الناس على أنفسهم وأبنائهم من التواجد، حتى في شوارع المدن وليس حواف السيول، عندما يهطل أي مطر.
لا بأس في الاحتراز، لكنه ليس الوسيلة للتعامل مع شيء بمثل عادية وبداهة فصل الشتاء في الأردن. ولا يمكن اعتبار إعلان حالة الطوارئ لدى سقوط المطر إجراء كافياً ونهائياً. والواجب، كما يقتضي أي منطق، هو التفكير السريع في الوسائل لتحويل زيادة الهطولات المطرية إلى ميزة وليس سبباً للطوارئ والأزمات الفردية والوطنية. وكلنا يعرف أن المسألة تتعلق أساساً بعيوب إنشائية في أنظمة التصريف والجمع، والإنذار المبكر.
يذكر الناسُ أسباباً للضيق بالمطر. ويكتب الغربيون –المخصوصون بنعمة المطر والخضرة- على الإنترنت أسباباً من قبيل: الاضطرار إلى استخراج المعطف الشتائي من الخزانة؛ تموّج الشَّعر بسبب المطر بعد تصفيفه؛ ابتلال الملابس والجوارب؛ وزحمة السير؛ والاضطرار إلى حمل مظلة مبتلة؛ والسيارات التي ترشك بالماء وأنت سائر؛ واكتشاف أنك لم تصلح مساحات زجاج سيارتك؛ وتعذر النشاطات الخارجية... وهكذا.
لكنّنا لا نمتلك هنا ترف التفكير بهذه الأقل من ثانويات -ولو أن الكثيرين يفكرون بها فعلاً هنا. بل إننا مُجبرون على تجاهلها لأن الهواجس الشتائية جُعِلت أكبر بكثير إلى حد احتمال التضرُّر أو فقدان الحياة –حرفياً- إذا تواجد المرء في المكان والزمان الخطأ أثناء سقوط المطر. ومع ذلك، فإن أفضل معجزة ربانية يمكن أن تحصل لهذا البلد، هي أن تُمطر سماؤه كل يوم من أيام فصل الشتاء. ولا يتعلق المطر بتأمين مياه الشرب فحسب، وإنما يتعلق بالاقتصاد أيضاً.
إنك إذا تحدثت عن اقتصاد زراعة (وكم من الدول التي تعيش في بحبوحة معتمدة على الزراعة) فإنك ستحذف فوراً احتمال بناء هكذا اقتصاد مع ندرة المياه. وإذا فكرت في اقتصاد سياحة، فإنك لن تنجح بلا مياه أيضاً: لن تكون لديك مساحات خضراء ولا مسطحات مائية ولن تصنع شيئاً يسر الناظرين. وقد شاهدنا كيف نشأت اقتصادات سياحة وخدمات ناجحة في منطقة الخليج الصحراوية الحارة، لأن الناس هناك امتلكوا كلفة تحلية مياه البحر وصناعة واحات ملونة وسط الصحراء. وما كانوا لينجحوا بغير ذلك.
أما حيث يحل الجفاف، فلا اقتصاد ولا حياة. وإذا أخذنا أفريقيا كنموذج، فقد رأينا كل الوقت ما تفعله ندرة الماء هناك، من الهجرات والتشرد والمجاعات والأوبئة وسوء التغذية وتحول الأطفال إلى هياكل عظمية. ولذلك، ينبغي أن يكون المطر –خاصة حيث لا أنهار ولا بحار، وحيث يكون نادراً وعزيزاً- جزءاً لا يتجزأ من التخطيط الاقتصادي من حيث عدم هدر أي نقطة منه، والتعامل معه كصديق كما هو، وليس كعدو وسبب للأزمة.
مع الدعاء بقدوم المطر من صاحب المطر، لا عذر لتقصير الترتيبات الدنيوية وأصحابها عن جعل هذا الخير خيراً كما ينبغي له. والبداية التحلي بنظرة إيجابية مستحقة، وتلقُّف الهبة الإلهية وتجسيد طبعها كسبب للحياة، وليس الخوف والموت.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :