-

مقالات مختارة

تاريخ النشر - 25-09-2018 11:08 AM     عدد المشاهدات 522    | عدد التعليقات 0

(قلق)!

الهاشمية نيوز - حنان كامل الشيخ



ظاهرة التنمر الصارخة التي تجتاح حوارات وتعليقات وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت بحاجة إلى دراسة حالة تستدعي أطراف الموقف كافة، من أكاديميين واختصاصيين في علم النفس والاجتماع وحتى طب الدماغ والأعصاب إن لزم الأمر!
كمية الغل والحقد واصطياد الأخطاء المقصودة وغير المقصودة، تملأ فراغات الحديث وجدران الحوار ومساحات كانت لتكون أكثر احتراما وأرفع قيمة، لو أننا فقط تذكرنا بأن من يقف خلف تلك الشاشات هم بشر في بداية الأمر، والبشر خطاؤون بطبعهم، ويحق لهم أن يقعوا في الغلط أحيانا لأسباب تربوية وخلقية وتعليمية وغيرها.
ما هذا السواد الغامر الذي يحتل أماكن مخصصة ومفتوحة للتعليق وإبداء الرأي؟ لماذا علينا أن نجرح ونشتم ونتغول في استخدام التشبيهات، التوصيفات البشعة، حين يكون الرأي مختلفا، أو تكون الحالة غير متوائمة مع نظرياتنا ومبادئنا أو حتى أفكارنا المكتسبة؟
ثم أين كانت تلك اللغة غير المؤدبة والمصطلحات الخارجة، قبل أن تفتح مواقع التناحر الاجتماعي نوافذها وأبوابها مشرعة لكل من هب ودب، يحلل ويقرأ ويقرر ويحكم على أي آخر متاح؟
للأسف فحتى الاحترام الفطري ما بين الصغار والكبار، الرجال والنساء، المعلمون والتلامذة، المجربون والأغرار، ما عاد لها وجود إلا في الحكم وأبيات الشعر والصور والمنشورات الجاهزة للتداول السريع، لإثبات حسن النوايا وجميل التصرف، في ذات المكان والزمان الذي يتسع للسباب والشتم واستعمال أشرس وأبذأ الأوصاف التي كانت يوما ما سببا وجيها للدخول إلى النار!
الغريب أن مثل هذا الانحدار الذي نشاهده ونسمعه صوتا وصورة، وأحيانا على الهواء مباشرة، والذي لا يفرق ما بين كبير وصغير، تافه وأثير، صار متقبلا ما بين جموع المرسلين والمتلقين، في رسالة واضحة ومباشرة بأن منظومة الأخلاق المنهارة التي كنا نحصرها قبل أعوام قليلة ماضية في التصرف على الطريق مثلا، أو السلوك العام في الشوارع والجامعات والمدارس، صارت منظومة منظمة ومحددة الأهداف وماضية إلى هاوية مرسومة ومعروفة الأحداثيات، بدون أن تجد أمامها رصيفا يحدها أو حجرا يعرقل سيرها.
كل الأسباب مؤدية إلى نجاح مهمة السقوط و بامتياز، وكأن العالم الفارغ الذي بتنا نصبح ونمسي وننام فيه، هو ملاذ الإنسانية المحض للحريات وحق الرد بأي وسيلة متاحة، وأي شتيمة تخطر على البال أولا.
لا يمكن أن يستوعب جيل كامل ممن أتيحت له فرصة الاقتراب من عالم التكنولوجيا وكان قد عاش معظم حياته قبلها بالأدوات التقليدية البائدة، بأن تهان سيدة على سبيل المثال نختلف معها بالرأي والفكر والتوجهات، بأشبع الألفاظ السوقية التي يحتمل أن تمس الأهل والشرف والأصول. كما يستحيل على هذا الجيل أن يمرر ألفاظا خارجة موجهة لشخصيات اعتبارية لمجرد التعبير عن الغضب من قرارات أو إجراءات تمس حياة الناس.
كل السبل مفتوحة للحوارات والنقاشات المهذبة المبنية على الحقوق والحريات وقدسية الاختلاف واستيعاب الخلاف. إنما أن تضيع الحقوق وتختلط المفاهيم وكأننا في سوق "الحرامية"، فإن تفسيرين لا ثالث لهما يشرحان تسونامي العيب الذي اجتاح منطقة الأخلاق، وهز أركان البنية الاجتماعية والتربوية والدينية لدينا؛ فإما الأمر ممنهج ومدروس ومتقصد لإضاعة الحابل بالنابل، وإلهاء المحاربين بغنائم وهمية زائلة، بهدف الالتفاف على مشكلة حقيقية ومصيبة محققة ستفاجئ الشعب. وإما أن الناس فعلا كانوا كذلك منذ أمد بعيد، وكانوا يتحينون شاشة مفتوحة وسقفا واسعا لينهاروا بحفلة جماعية.
مقلق ما يحدث مع أناسنا الطيبين، أو الذين كانوا!



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

عـاجـل :