-

المجتمع والناس

تاريخ النشر - 09-09-2018 09:40 AM     عدد المشاهدات 2953    | عدد التعليقات 0

(حب الشهرة) تحت غطاء فعل الخير قتل لكرامة الأطفال وإيذاء لمشاعرهم!

الهاشمية نيوز - الفرحة ترتسم على وجه طفل يحمل حقيبة، في ثناياها نبع للعلم من كتب وأوراق، يخط أقدامه باتجاه بوابة مدرسته، ويسير من حوله رفاق صفه، فيما يتألم ظهره من أحرف خطها "فاعل خير".
تلك الأحرف تشير إلى أنها متبرع، فيشعر بضعف الحال، وضيق النفس، فهو صاحب عوز ولم يتجاوز من العمر سنوات قصاراً بالعدد، طوالاً بالألم.
وابن شهيد، يتيم، تمتزج قطرات الدمع بضبابية حاضره، ومستقبله المجهول، يتلقى مساعدات مالية أمام كاميرات "الإشهار"، فيأخذ تلك الوريقات، التي لم يكن يعلم قيمتها في ظل والده الذي أنعم عليه بالخير، قبل أن يذهب مدافعا عن وطن في رحلة لم تمنحه فرصة لأن يعود.
وبين الحالتين، قصص تروى عن ذات الجرح، ضحاياها كثر، وأنينها يصم الآذان، فتخرج "الآه"، من أحرار يتقدمون الصفوف ليدافعوا عن مثل هؤلاء، في وجه "المستعرضين بأفعال الخير"؛ إذ تعج صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بمئات الآلاف من الحريصين على مشاعر الأطفال، والرافضين لأسلوب "المن"، الذي يتوارى تحت غطاء "الخير".
وإلى جانب هؤلاء، ينبري المعنيون للدفاع عن حقوق الطفل، ليوجهوا البوصلة نحو ضرورة التعامل بحذر مع الأطفال، وعدم المس بكرامتهم، "فالطفل له كيان خاص ونفسية حساسة، وفي أي قرار يخصه يتوجب وضع مصلحته الفضلى"، بحسب مديرة برامج حماية الطفل في منظمة اليونيسيف، مها الحمصي.
الحمصي، ترى أن تعامل الإعلام مع طفل استشهد والده في وقت قريب يعني تعريضه لضغط نفسي كبير، فالحديث عن الحادثة وتذكيره بها يعنيان الرجوع للفاجعة نفسها.
فيما يرى اختصاصي علم الاجتماع، د.محمد جريبيع، أن البحث عن الشهرة إعلاميا من خلال توزيع المساعدات على الفقراء، وذكر اسم المكان أو الشخص المتبرع أعمال "تنم على منظومة مجتمعية ومهنية متردية".
ويؤكد أهمية تذكير المجتمع بمكانة أبناء الشهداء العالية، ولا يمكن التعامل معهم على أنهم مساكين ويحتاجون للدعم المالي، وخصوصا بطريقة بعيدة عن مصلحة الطفل وصورته أمام أبناء جيله.
وتتفق الاختصاصية النفسية والمختصة في شؤون الأطفال، الدكتورة أسماء طوقان، مع سابقيها، بأن الطفل اليتيم أو الفقير، كباقي الأطفال لديه مشاعر، ويفرق بين التعامل الطيب وتعامل الشفقة.
وتؤكد شعوره بحرج كبير وضيق من تصرف بعض مقدمي المساعدات أمام الناس أو على شاشات التلفزيون أو أمام زملائه في المدرسة والحي، وهذا لا يعني توقف المساعدات على المحتاجين، لكن أن تصبح الطريقة مختلفة.
ويعطي مثالا أن من أراد تقديم مساعدات أمام طلاب المدرسة لا ضير من تقديم هدايا عينية لكل طالب موجود، بالإضافة لمن هو معني، وهنا لا يكون هناك أي تأثير سلبي على حالته النفسية.
وتشير إلى أن شعور الطفل بأنه أقل من غيره يضعف شخصيته ويعزز لديه سلوك معاداة المجتمع.
وفي هذا الصدد، يؤكد الخبير في مواجهة العنف ضد الأطفال، مستشار الطب الشرعي، د. هاني جهشان، أن استجابة الطفل لوفاة والده في مرحلة العمر من خمس إلى تسع سنوات تكون أقرب لاستجابة الكبار، فهو يدرك أن الموت غير مؤقت، ما يدخله في صدمة وحالة من الارتباك، وتتفاقم حالة الطفل هذه بمشاهدة معاناة أفراد الأسرة الآخرين.
ويمر الطفل بمراحل نفسية نتيجة وفاة والده في هذه الفترة العمرية، وهي أولا مرحلة الإنكار وهي المرحلة الأولية بعدم تصديق حصول الوفاة وتستمر عادة بضعة أيام، وتليها مرحلة الغضب وهي متوقعة لأن حياة المتوفى كانت ضرورية لاستقرار حياة الطفل، فقد يعاني الطفل من الكوابيس والتهيج واللعب الصاخب.
وقد يُظهر الطفل الغضب تجاه أفراد الأسرة، ثالثا مرحلة الحزن وهي عبارة عن إدراك الطفل للواقع، ومع مرور الوقت يصبح هذا الشعور على فترات زمنية متفاوتة ومتباعدة وتتكرر معاناة الشعور بالحزن في أحداث أو مناسبات تُذكّر الطفل بوالده المتوفى، وفق جهشان.
قد يرافق المرحلتين الثانية والثالثة (الغضب، الحزن) سلوكيات كالزيادة في حاجة الطفل للاهتمام به، والمرحلة الأخيرة قبول الواقع من خلال تقبل حقيقة الموت وأن المتوفى قد غاب عن الطفل جسديا.
ويضيف جهشان "خلال مراحل الإنكار والغضب والحزن، تكون المسؤولية المباشرة لرعاية الطفل محصورة بأفراد أسرته النووية لضمان تجاوزه هذه المراحل بدون عواقب".
ويكون ذلك بتجنيبه أي أحداث أو ظروف تذكره بالوفاة وكيفية حدوثها، وهذه قد تحفز ظهور أعراض سلبية على الطفل، وتكون رعاية الطفل بدمجه في الحياة العادية وبألعاب مناسبة لعمره كان قد اعتاد عليها وبدون الإفراط بذلك.
وأشار جهشان إلى أنه من المتوقع طلب الأهل المساعدة المتخصصة في حالة دخول الطفل بفترة طويلة من الاكتئاب، أو عدم القدرة على النوم وفقدان الشهية والخوف من الوحدة، أو التصرف كطفل أصغر سنا لفترة طويلة، والانسحاب من الأصدقاء، وانخفاض حاد في الأداء المدرسي أو رفض الذهاب للمدرسة.
وفي حالات الوفاة بقضية رأي عام كالشهداء في واجب حماية الوطن والمواطن، يكون هناك أثر سلبي للمقابلات التلفزيونية والصحفية مع الطفل، والتي ستؤدي حتما لزيادة مرحلتي الغضب والحزن وتعد انتهاكا لخصوصية الطفل وإساءة نفسية ضده تزيد من احتمال ظهور العواقب السلبية المشار اليها.
وهنا، تشير الحمصي إلى اتفاقية "مكاني" بالشراكة بين اليونيسف ومعهد الإعلام الأردني، لمساعدة الصحفيين على إيجاد الطرق الفضلى في التعامل مع الطفل بمهنية عالية.
وتشير إلى وجود جمعيات مختصة بالدعم النفسي للطفل، تطالب بالتعامل مع الطفل وكأن شيئا لم يكن وكأنه طفل طبيعي، للعودة سريعا لروتين حياته السابق بعيدا عن الأضواء والتمييز في حياته وفي مدرسته، كذلك تركه يلعب كالأطفال الآخرين والإجابة عن أسئلته بطريقة صحيحة ومناسبة لعمره وفكره.
وتؤكد أن من يجد صعوبة في ذلك وكان الأثر النفسي كبيرا على الطفل، يجب أن يلجأ إلى هذه الجمعيات لتقديم المساعدة النفسية الصحيحة.
وتشدد على أن كرامة الطفل ومصلحته الفضلى أهم من الشهرة ووسائل الإعلام والسبوقات الصحفية أو الدعاية الشخصية، فعلى كل فرد أن يفكر بهذا الطفل وما سيؤثر عليه وعلى مستقبله.
د. جريبيع يلفت إلى أن الأطفال لا يعرفون مكانة الشهيد الدينية والمجتمعية، ويشعرون أن التعامل مع أبنائه بعطف بطريقة غير مراعية للمشاعر تجعله محتاجا، ما يصيب الطفل بحالة الذل والامتهان أمام زملائه بدلا من نظرة القوة والمكانة العالية له.
ويشدد على أن مساعدة الفقراء والمحتاجين وحتى أبناء الشهداء، لا يجوز أبدا أن تكون أمام الإعلام والسوشال ميديا، ومن يبحث عن الشهرة عليه أن يفكر مليا بالعواقب الوخيمة من تصرفه، فهو ينشئ جيلا حاقدا يشعر بالنقص مدى حياته وتكريس الحزن والغضب لديهم.
ويقول جريبيع "العمل الخيري والمساعدات في كثير من الأحيان التي تظهر أنها وجدت للمظاهر والدعاية الإعلامية والشهرة، جعلت الشخص لا يثق بالجمعيات الخيرية أو العمل الخيري أو التطوعي وكأن وراء ما يفعل الشهرة فقط".
أما طوقان فتقول إن هذه الشخصية معادية لحقوق الآخرين، وتفتقر للحس الأخلاقي أو الضمير، والأصل هو احترام خصوصية الطفل وحقوقه.
وفي هذه المواقف التي يشعر فيها الطفل أنه تحت المجهر أو داخل حلقة التركيز، يظهر عليه الخوف والتلعثم والارتجاف وسرعة خفقان القلب وضيق التنفس وجفاف الحلق والتعرق، وهذا ما يسمى بـ"الرهاب الاجتماعي" للأطفال.
ويمكن للطفل الذي يتعرض لمثل هذه المواقف أن تتلافى إدارة المدرسة أو الكبار الواعين لما يحدث، وأن يتم توزيع المساعدات على الجميع، أو أن يعرض على الإرشاد النفسي في المدرسة فيتبع أسلوب العلاج النفسي السلوكي، وذلك لإعادة بناء ثقته بنفسه وتشجيعه ودعمه معنويا.
ويؤكد د. جهشان، أن المبادئ الأخلاقية للإعلام الذي يتضمن تصويرا فوتوغرافيا، ينبغي أن لا يكون فيها إضرار بالشخص الذي يتم تصويره، وضمان تحقيق الإفادة بتوعية المجتمع بدافع وجيه.
ويبين أن إجراء المقابلات المصورة مع أطفال يعانون من الضيق والكرب هو إساءة لهم وانتهاك لحقوقهم، وعند مقابلة البالغين الذين يعانون من الضيق والكرب لأي سبب كان، يجب أن يتحلى الإعلامي والمصور بالتواضع واحترام كرامة الشخص الذي يتم تصويره.
ويؤكد جهشان ضرورة مراجعة الدافع للتصوير، وهو عادة تسليط الضوء على تحديات اجتماعية، فمن غير المقبول استخدام الصور لاستغلال الشخص الذي يتم تصويره بطريقة تتجرد من الإنسانية واحترام كرامة الإنسان.
ويضيف جهشان "عند عرضها يجب أن تحمل الصورة رسالة توعية اجتماعية لعموم المجتمع وألا تكون لتحقيق أهداف دعائية أو ترويجية للإعلامي أو لأي جهة أخرى، وإن كان ذلك بطريقة غير مباشرة أو ضمنية".
كما أن إجراء التصوير بطريقة اقتحامية للمساحة الشخصية المحيطة بالطفل الذي يتم تصويره، هو انتهاك لخصوصيته، وفق جهشان، الذي قال "عند مقابلة الطفل يجب في جميع الأحوال أخذ الموافقة الخطية بعد شرح الهدف من التقرير الإعلامي المصور، وفي الوقت نفسه أخذ الموافقة من الطفل نفسه في المرحلة العمرية التي يكون بها قادرا على الإدراك






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

عـاجـل :