-

مقالات مختارة

تاريخ النشر - 01-05-2018 11:05 AM     عدد المشاهدات 439    | عدد التعليقات 0

عندي جاهة

الهاشمية نيوز - د. صبري الربيحات


إذا أردت أن تعرف النخبة السياسية والتجارية ورجال المال والأعمال النافذين، فما عليك إلا أن تستعرض قوائم المدعوين لحفلات الأعراس والجاهات التي ينظمها أو يدعو لها المتنفذون. فالكثير من هذه المناسبات تبدو مثل مؤتمرات النخب؛ حيث يحرص الجميع على ألا يكون بعيدا عنها ويرى من لا يدعى لها في استثنائه من الدعوة رسالة عليه أن يبحث مغزاها وغايتها.
في عمان، إذا أردت أن تحادث أحدا ممن يعملون في السياسة أو التجارة أو الإعلام، فعليك أن تتجنب ساعات ما بعد الظهر من أيام الخميس والجمعة والسبت، فهذه الأوقات مخصصة للمشاركة في ولائم الأعراس وجاهات الخطوبة وواجبات العزاء في مختلف أرجاء البلاد.
أجندات الكبار مكتظة بمواعيد الجاهات والدعوات والأعراس، فالوقت الذي يمكن أن يخصص لتلبية الدعوات يفوق بكثير متطلبات أداء العمل والدور الذي ينهض به البعض. في حالات كثيرة أبدى بعض مديري المكاتب لعدد من المسؤولين والمتنفذين مواجهتهم صعوبة كبيرة في تنسيق الدعوات والمشاركات في المناسبات والدعوات والأفراح وواجبات العزاء بدرجة تفوق تنسيق المواعيد والمقابلات والاجتماعات الخاصة بالعمل.
المشاركة في الجاهات والولائم من النشاطات المرغوبة للكثير من الشخصيات العامة بالرغم من تذمر البعض سرا من زيادتها. فهي توفر للمسؤول وصاحب النفوذ فرصا ليطل على الناس في فضاء حيادي، كما أنها تعطي للمشاركين فرص صيانة العلاقات والأحاديث الجانبية وإظهار المشاعر الإيجابية أو المناكفة في بعض الأحيان.
أيا كانت الاتجاهات السياسية والفكرية للمدعوين، فلا أحد يعترض على المشاركة في المناسبات الاجتماعية تحت عنوان الواجب. الكثير مما يتم في هذه المناسبات التي قد لا تستمر لأكثر من ساعتين مهم ووظيفي بالرغم من أن الكثير ممن يشاركون لا يعبرون عن ذلك بوضوح. البعض يؤسس تحليلاته اللاحقة على الملاحظات العابرة للتفاعل الذي يجري بين بعض الأشخاص في هذه المناسبات، الأمر الذي يجعل منها مختبرا مصغرا لقياس اتجاهات أصحاب النفوذ نحو بعضهم بعضا وحجم الجاذبية أو التنافر بين مراكز القوى في المجتمع العماني. بعض الأشخاص يحرصون على حضور الدعوات التي تتركز فيها القوى والنخب من أجل تأكيد استمرار دورانهم في فلك هذه النخب وقربهم من أصحاب النفوذ.
في الأردن، تشير البيانات الى تسجيل ما يقارب الـ80 ألف حالة زواج تسبق كل منها خطوبة يشكل لها جاهة. بالرغم من معرفة الجميع أن الخطيبين قد تعرفا واتفقا وربما أبرما عقد الزواج، إلا أن الجاهة تتجاهل هذه الحقيقة وتفترض أن حضورها حاسم في تحديد ما اذا كانت أسرة الفتاة ستقبل أو لا تقبل بالطلب.
حالة التمويه والتغاضي التي يقوم بها الجميع لا تلغي وجود وظائف مهمة تتمثل في إعلان العلاقة ومباركة خيار الخاطبين وتدعيم علاقة المصاهرة وتأسيسها على قواعد روحية وأخلاقية واجتماعية بالحضور والمباركة والأدبيات التي يستعرضها من يطلب العروس ومن يجيب الطلب نيابة عن أسرتها.
عندي جاهة هي الإجابة التي تتلقاها من أي شخص اذا ما حاولت الحديث معه عن أي نشاط أو لقاء في أيام الخميس والجمعة والسبت، والبعض لا يتوقف عن هذه الأنشطة طوال الأسبوع. التجديد على الطريقة التي يتم فيها طلب العروس والإجابة عن الطلب يشمل أبعادا سياسية واجتماعية أكثر مما يشير الى العلاقة وقدسيتها.
الجاهات التي تشكل في القرى والبوادي والأرياف لا تختلف كثيرا في حجمها وأغراضها ووظائفها عن تلك التي كانت تشكل في منتصف القرن الماضي قبل أن تصبح عضويتها ورئاستها واحدا من الأدوار التي ينهض بها السياسيون والمقاولون والسماسرة والتجار والأغنياء الجدد.
لقد أبقت حياة الأرياف البعيدة عن وهج المال والسلطة على مسؤولية الأقارب والجيران والأصدقاء في دعم العروسين المالي والعيني، فخلال طقوس الاحتفال الذي غالبا ما يتضمن الولائم، يقدم المهنئون ما تجود به أنفسهم من المال والهدايا التي تتناسب في قيمتها مع مكاناتهم وصلاتهم بالعروسين. في البنى المجتمعية ذات الطابع القبلي، يتجسد معنى التكافل، فالأهل يجمعون تكاليف أعراس أبنائهم بمساعدة أقاربهم وأصدقائهم ومعارفهم ويعيشون حالة تبادل الأدوار على مدى رحلة الحياة.




وسوم: #عندي


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :