-

مقالات مختارة

تاريخ النشر - 13-03-2018 01:50 PM     عدد المشاهدات 527    | عدد التعليقات 0

عالم دوبلاج

الهاشمية نيوز - حنان كامل الشيخ


ما حدث بخصوص المسلسلات التركية التي تم حجبها مؤخرا عن شاشات مجموعة MBC، يعيدنا إلى ذاكرة أيام حرب الخليج، والثمن الذي دفعه الفن في الأردن، ممثلا بالأعمال الدرامية، خصوصا حين نربط الأسباب الموجبة بالنسبة لأصحاب القرار لمثل تلك الإجراءات، وهي بالطبع مبررات سياسية بحتة!
ليس مفهوما أبدا الانتقام الذي يطال حتى البشر والشجر، في مناورات السياسة والحرب الدائرة في عالمنا بسبب وبغير سبب. فالفن جزء من عملية ثقافية متحركة ومتطورة من المفترض أنها تخاطب في الأساس إنسانية البشر ووجدانياتهم، وليس للمواقف السياسية أي نصيب منها. إنما وكما يذكر من عايش فترة منتصف تسعينيات القرن الفائت، فإن حصة الثقافة لم تسلم هي الأخرى من العقاب الشامل تجاوز حينها الاقتصاد والسياسة والإعلام، لتمتد أيادي الحصار إلى المسلسلات البدوية والأعمال الدرامية الأخرى التي كانت قد بدأت تحقق نجاحات طيبة، وسمعة مشرفة ضمن منافسات الإنتاج الفني والثقافي.
تحول جزء كبير وقتها من فناني الأردن الكبار إلى أعمال مساندة، لم تقل أهمية في الحقيقة عن أعمالهم المصورة، إنما الألم كان في حرمانهم من ممارسة شغفهم في أعمال متلفزة كانت تمنحهم إلى جانب الأمان المادي، شهرة وحضورا كبيرين.
عملوا في حقل الدوبلاج الذي برع فيه الأردنيون بحق، بعد أن تحولت طاقاتهم الإبداعية المحاصرة إلى بصمات صوتية ما يزال يرن صداها في ذاكرة من عايش تلك الفترة، وتعلق بأعمال الكرتون والمسلسلات المكسيكية المدبلجة، إلى جانب الأعمال الوثائقية المميزة الجميلة.
تلك الذكريات المجبولة بالألم وبالفرح في آن واحد، قفزت إلى الواجهة مرة ثانية مؤخرا حين ابتدعت آلة العقاب إياها، الحكم ذاته ولو أن الظروف مختلفة هذه المرة!
المسلسلات التي لطالما كنا نكتب بخوف وقلق حولها، محذرين أنفسنا من عمليات كسر الهوية العربية، والاقتداء بالنموذج التركي الاجتماعي، والذي مرر ثقافته وأفكاره بسلاسة بالغة إلى جانب الدعاية المجانية لسياحته وصناعته وسياسته في كثير من الأحيان، هذه المسلسلات أصبحت اليوم وبعد مرور عشرة أعوام على انتشارها أو أكثر، قطعة من أثاث البيت التي يصعب الاستغناء عنها بسهولة. إن لم يكن لأجل أصحاب الدار، فعلى الأقل لأجل ضيوفه!
فلا تكاد بناية يقطنها سكان عرب اليوم، ولا تجد فيها بيتين أو ثلاثة لا ينظمون مواعيد حياتهم على وقع ساعات بث المسلسلات التركية. وهنا لا أقول مسلسلا واحدا، لأن العادة في المتابعة أصبحت لأعمال متتالية في اليوم الواحد، ولا بأس من الإعادة!
ساعات ممتدة كانت تقضيها نساء عربيات من المحيط إلى الخليج، أمام حلقات طويلة لقصص حب وغرام وخيانة مكررة، تتجرع عبرها السيدات حصتهن المتأخرة من العاطفة ولو كانت وهمية. ونحن اليوم وبعيدا عن تحليل تعلق النساء العربيات بتلك الأعمال، بدأنا نتلمس فعلا تململهن من اتخاذ المحطة لمثل هذا القرار. حيث بات الاعتقاد أنه عقاب جماعي للكثير من الأسر التي اعتادت أن تبرمج خططها حسب أوقات البث. ثم إن للهجة السورية المحببة دلالة من الصعب التجاوز عنها ضمن منظومة العمل الفني، حيث لم يبق للمتلقين العرب من سورية الحبيبة أثر يمكن الاستئناس به، سوى لكنة ممثليهم للأسف الشديد.
طبعا ولأن القرار جاء مفاجئا لم تكن الاهتزازات المرتدة مساوية لوقعه. إنما بالتأكيد سيأتي "الفرج" مسرعا عبر خطوات ربما تتخذها تركيا نفسها كما سمعنا، في تخصيص باقة ترددات موجهة بالذات إلى العالم العربي، تبث من خلالها ما يحلو لها من أعمال مدبلجة، بحيث لا تتأثر صناعة الفن لديها ولو بشعرة. فالموضوع بالنسبة لهؤلاء ليس مسلسلا وانتهى الحوار، فهو فن وثقافة وسياسة واقتصاد وسياحة وعلم اجتماع وإعلام وفلسفة أيضا، تسللت بهدوء وصبر طويل، لنشر رسالة تركيا كما يراد لها أن تصلنا بالضبط. ونحن فرحنا أو غضبنا ما لنا إلا نستقبل ونعيش ونتأثر بالرسالة المؤدلجة، حتى لو وصلتنا مدبلجة!




وسوم: #عالم


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :