-

مقالات مختارة

تاريخ النشر - 09-01-2018 02:18 PM     عدد المشاهدات 2038    | عدد التعليقات 0

بريمر لم يفكك الجيش العراقي!

الهاشمية نيوز - د. جاسم الشمري


الجيوش الوطنية هي الأرضية التي تنبت فيها الدول القوية، والقادرة على حماية سيادتها، وكرامة مواطنيها، وإلا فإن الدول التي لا تمتلك جيوشاً قوية تبقى عرضة للتهديدات الداخلية والخارجية، بل وتكون هزيلة حتى في قراراتها السياسية الإقليمية والدولية، ولهذا فان الدولة والجيش، هما وجهان لعملة واحدة.
جيش العراق منذ أن تأسس في السادس من كانون الثاني من العام 1921، وحتى مرحلة الاحتلال الأميركي كان المظلة الآمنة التي تنشر ظلالها على أرجاء الوطن، وكان السور المنيعة بوجه قوى الشر والظلام، ووقف سداً عالياً بوجه أعاصير الدمار التي أرادت المساس بفلسطين وسورية وغيرهما من الدول العربية، ومقابر الشهداء في الجولان وجنين والمفرق بالأردن وغيرها تشهد بأن جيش العراق هو جيش الأمة الأصيل.
ومنذ الأيام الأولى لاحتلال العراق في العام 2003 سعى بول بريمر، الحاكم الأميركي المدني للعراق– حكم منذ أيار(مايو) 2003 - حزيران (يونيو) 2004 – لإصدار العديد من القرارات الهادفة لتدمير الدولة العراقية، وإعادة تأسيسها وفقاً لمصالح القوى المحتلة، وبما يضمن تدمير الدولة ومؤسساتها العسكرية الأمنية والاستراتيجية والخدمية.
السنوات الماضية القريبة أثبتت أن الغاية الكبرى من احتلال العراق لم تكن إسقاط الحكومة القائمة، وإنما إخراج الجيش العراقي من معادلة القوى في الشرق الأوسط لصالح الكيان الصهيوني ذلك لأن جيش العراق كان من القوى التي يُشار إليها في المنطقة، ولهذا كانت القوى الكارهة للأمة حريصة على إنهاء هذا الدور الحيوي لواحد من أكبر جيوش الشرق الأوسط.
المتداول في المنظومة الإعلامية في عموم العالم أن بريمر هو من أمر بحلِّ أو تفكيك الجيش العراقي، وهذا الكلام في الواقع يفتقر إلى الدقة العلمية والتاريخية، ذلك لأن قرار بريمر كان نتيجة لمقدمات، ولم يكن هو الذي أمر بحلِّ هذه المنظومة الكبيرة! والسؤال الأبرز هنا إذا كان بريمر لم يأمر بحلِّ الجيش العراقي فمنْ الذي أصدر هذا القرار التاريخي الحاسم؟!
الحقيقة الغائبة عن الكثيرين هي أن الجيش العراقي هو الذي حلّ نفسه بنفسه، ولم يكن لبريمر، ولا للولايات المتحدة أي قرار، بل سارعوا لتأكيد القرار الذي أصدره قادة الجيش العراقي ومراتبه.
من المؤكد أن هذا الكلام بحاجة إلى دليل مادي، ودليله ما ذكره السفير الأميركي الأسبق في العراق زلماي خليل زاده في مقابلة مع قناة الجزيرة (8/4/2016)، والذي أوضح بأن" إعلان حلّ الجيش العراقي من قبل الحاكم المدني الأميركي بول بريمر تمّ في بغداد، ولم يخضع لنقاش متأنٍ في واشنطن، لا من قبل الرئيس الأميركي آنذاك جورج بوش، ولا من القيادة العسكرية، وأن الخطة الأميركية - قبل الغزو والإطاحة بنظام الرئيس صدام حسين- كانت تقضي بتشكيل حكومة عراقية سريعاً كما حدث في أفغانستان، وإصلاح الجيش وقوات الأمن العراقية للحفاظ على النظام".
وأوضح زاده أن "الخطة تغيرت بعد الغزو، حيث تمّ حلّ الجيش العراقي. تحدثت في هذا الأمر مع بول بريمر، ومستشار الأمن القومي آنذاك ستيفن هادلي، ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، ووزير الخارجية كولن باول، وجميعهم أبلغوني بأن ما قاله بريمر هو أن الجيش العراقي حلّ نفسه بنفسه، وأن إعلان حلّ الجيش تمّ في بغداد دون تشاور، ودون نقاش متأن للأمر".
وعند التدقيق بكلام زاده نجد عبارة "أن الجيش العراقي حلّ نفسه بنفسه"، وهذه العبارة ذكرها أيضاً وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد في مذكراته، والتي أوضح فيها أن (الجيش العراقي كما وصفته كلمات بريمر "حلّ نفسه بنفسه")، وبهذا يتضح أن الجيش العراقي لم يحلّه بريمر بشهادته لبقية القيادات الأميركية، وعليه فإن كل ما جرى بعد ذلك هو نتيجة لواقعة على الأرض، وهي أن الجيش لم يعد موجوداً في مسرح العمليات، وحينها جاء قرار الحاكم المدني بريمر، بحلّ الجيش المسرَّح أصلاً لعدم قناعته بالعمل مع المحتل، وهذه نقطة مميزة تُسجل للجيش العراقي على اعتبار أنه رفض البقاء تحت خيمة المحتل، وكافة القوى التابعة له.
قرار الحلّ الذاتي للجيش العراقي من قبل عناصره يؤكد الانتماء الحقيقي لقادة وضباط ومراتب الجيش لوطنهم لأنهم آمنوا بالانتماء لعراقهم، وأنهم لا يمكن أن يكونوا أداة بيد المحتل.
تحية لجيش العراق في عيده الوطني، وسيذكر التاريخ هذا الموقف البطولي لرجاله الذين صدقوا في حبهم لوطنهم عبر مسيرة مليئة بالانتصارات والصبر والثبات.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :