-

مقالات مختارة

تاريخ النشر - 06-12-2017 12:31 PM     عدد المشاهدات 1748    | عدد التعليقات 0

العنف ضد النساء وبعض إشكالاته

الهاشمية نيوز - وفاء الخضراء


عكس ما قد يبدو للوهلة الأولى، فإن الحديث عن العنف ضد النساء على نحو مؤثر لم يعد بالأمر السهل. إشكالات عدة تحول بيننا وبين خطاب نسوي حول العنف ضد المرأة أكثر فاعلية، وبين معالجة له أكثر نجاعة.
أشير هنا إلى ثلاثة إشكالات رئيسة على عجالة.
هنالك أولاً، وقبل كل شيء، المفارقة المتمثلة بتعاظم الحديث عن العنف وتعاظم انتشاره في ذات الوقت. ظننا في وقت مضى أنّ خفوت الضوء المسلط على العنف ضد المرأة وضعف الحملات التوعوية أو غيابها هما سببان من أسباب تفشي الظاهرة. لكننا نكتشف اليوم أننا ورغم الخطاب المتعاظم زخماً والحملات المتزايدة كماً، لم نجنِ الثمار المرجوة. لا بل نشعر أحياناً أن وهج الضوء المسلط عليه وقوة الخطاب التوعوي قد نومانا مغناطيسياً، بحيث أن الكلمة التي تُقال والحملة التي تشن والمؤسسة التي تُنشَأ تصير وكأنها هدف بحد ذاته، لا وسيلة من أجل غاية.
لا بل إن قصص العنف البشعة التي تُبرزها وسائل الإعلام أضحت وكأنها مجرد أخبار عادية نسمعها أو نشاهدها، قد تهزنا آنياً لكننا سرعان ما ننساها ونطوي الصفحة كأن شيئاً لم يكن. وهذه "العادية" أو "الاعتيادية" أو "الطبيعية" للخبر، وهي عكس الأثر الذي رجونا أن يحصل، أضافت للمشكلة بعداً مزعجاً آخر. ولعل ما ساهم في ردة الفعل غير المحمودة هذه تفشي أخبار العنف في القطاعات الأخرى التي تأتينا من كل حدب وصوب، فصارت قصص العنف ضد النساء جزءاً من مشهد العنف العام في المجتمع ودول الجوار فضاعت خصوصيتها.
ليس المقصود هنا بالطبع أن نتوقف عن التحدث عن العنف أو أن نوقف الحملات التوعوية أو تسليط الضوء على جرائم العنف ضد المرأة بأشكاله المتعددة. بل المقصود أن يُبنى الخطاب وتُنفذ الحملات على أسس أكثر فاعلية، بحيث يبقى أثرها صادماً يُحدث ردة الفعل المرجوة، ردة الفعل القائمة على أثر ملموس محسوس يغير من المشهد تغييراً جوهرياً. المطلوب التركيز على الكيف المؤثر وليس الكم المُبهر لحظياً.
وهنالك ثانياً إشكالية الرؤية والنهج. هل نستطيع معالجة العنف ضد المرأة بمعزل عن العنف المجتمعي بأشكاله وتعقيداته؟
تبدو فكرة رفع لواء محاربة العنف ضد المرأة بالتحديد كعنوان مستقل والتركيز عليه تركيزاً منفصلاً عن غيره من أشكال العنف فكرة راجحة وصائبة. وربّما كانت مؤثرة في البداية. فالفعل المسلط على شيء بدرجة عالية من الاهتمام لا بد وأن يحدث أثراً. بيد أننا نجد أنفسنا أمام واقع لم يتغير كثيراً رغم عزل المشكلة ورغم كثافة وحجم التركيز عليها. ما وجه الخلل هنا؟ سؤال يجب أن نتوقف عنده مليّاً.
هل يكون فعلنا أكثر تأثيراً إذا ما عالجنا العنف ضد النساء في سياق العنف المجتمعي لا بمعزل عنه؟ وما قد يعزز مثل هذا النهج أن منابع العنف ومسبباته قد تكون مشتركة ومتداخلة، إن لم تكن نفسها. صحيح أن للعنف ضد المرأة خصوصية لا يجب أن تُميّع فتفقد زخمها فتضيع في بحر من العنف المجتمعي. لكننا في الوقت ذاته نجد هنالك تداخلاً كبيراً بين أنواع العنف المجتمعي من حيث المسبب والمنبع والجذر، وأن هذا التداخل لا يُعالج بالبتر، بل بالاستئصال من الجذور. ومن هنا فقد يلزم لحل ظاهرة العنف ضد النساء حلاً جذرياً بناء الحلول على دراسات مستفيضة لتلك التداخلات والجذور والمسببات. وهذا يتطلب تشبيكاً فاعلاً مع كافة الجهات ذات العلاقة، ويتطلب أن يكون الجهد شمولياً تكاملياً.
وهنالك ثالثاُ محددات تتعلق بالمناهج البحثية السائدة. من ناحية، لا بد من دراسة أية ظاهرة دراسة مبنية على منهج علمي وطريقة منظمة في وصف المشكلة وتحليلها واقتراح الحلول المناسبة لها. وهذا أمر لا جدال فيه. لكن الإشكال يكمن في أن العديد من المناهج المتبعة في معالجة قضايا المرأة، ومنها العنف ضدها، هي مناهج ومدارس آتية من خارج حدود مجتمعنا، مثلها مثل النظريات النسوية ذات المنشأ الغربي. نفيد من المناهج هذه بلا شك، كما نفيد من النظريات النسوية ذاتها، فهنالك بعد نسوي عالمي عابر للحدود والثقافات. بيد أن هنالك خصوصية اجتماعية ثقافية لوضع المرأة العربية والأردنية قد لا تسعفنا المناهج البحثية والأطر النظرية الغربية في التعامل معها. فالعنف ضد المرأة ليس موضوعاً علمياً محضاً، كبعض مواضيع علم الرياضيات أو الفيزياء أو الكيمياء، على سبيل المثال، والتي لا تتأثر دراستها بدولة منشأ الأسلوب المستخدم، بل إن دراسته (أي العنف) يجب أن تأخذ البعد المجتمعي والخصوصية الثقافية وامتداداتهما التاريخية بعين الاعتبار. ويتعزز لدينا مثل هذا الشعور عندما نجري الدراسة تلو الأخرى بالمناهج العالمية المتاحة، فنجد أنفسنا أمام واقع تعجز هذه الدراسات عن سبر غوره وكشف أسراره وفك عقده. وكأننا بحاجة إلى منهجيات مختلفة تماماً عما نتبنى ونطبق، منهجيات منبثقة من الواقع نفسه ومن وجهة نظر المكونات النسائية المعنية به مباشرة. وهذا أمر بحاجة إلى وقفة متأنية.
وبعد، فلا بد لنا من الاستمرار بكل ما أوتينا من قوة في الحديث عن العنف ضد المرأة والتصدي له بعزم وحزم. لكن لا بد لنا في ذات الوقت من التوقف لمراجعة بعض أبعاد خطابنا ورؤانا ومنهجياتنا البحثية المتبعة من أجل عمل أكثر فاعلية وتأثيراً.
ولا ننكر أن هناك الكثير الكثير الذي أنجز على مستوى الأردن والعالم العربي والعالم أجمعه في مناهضة العنف ضد النساء والفتيات. بوركت جهود الناشطات/ين , وقائدات/قادة التغيير, والباحثات/ين وكل المعنيات/ين لإحداث التغيير المنشود وقرع ناقوس الخطر.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :