تاريخ النشر - 02-12-2021 09:42 AM عدد المشاهدات 316 | عدد التعليقات 0
(شتي يا دنيي)
الهاشمية نيوز - فدوى بهجت خصاونة
دونما استئذان تمر علينا الفصول تنحني أمامها الجبال؛ شتاء، مطر، أوراق خفيفة، شمس حامية، دورة الحياة، تأخذ أشياءنا تتركنا وتمضي ثم تعود، تمضي تعود.
ومن مائدة السماء تناولت غيمة مستديرة، قطعتها نصفين عصرت نصفها وارتشفت رحيقها، ونصفها الآخر علقته في سقف الشمس لينضج أكثر.
في كل الفصول نصافح الأرض نزرع عيوننا في ذرات ترابها، نقبلها نستنشق عبق الياسمين، حافلة الشتاء تحمل أحلامنا وترحل عيوننا للسماء ، تغازل الغيمات، نوقد على أجنحتها مدفأة الحطب، ونصنع من رحيقها قهوتنا الحلوة.
نعد الغيمات ونحصي عدد القطرات.
نتجلى في محراب البرد الأحمر.
حقائب الشتاء تفيض بالهدايا، يكفينا أنه يأتينا بالنور والظل والثلج والمطر، ومن خلف النوافذ تتعالى ضحكات القطرات تردد أنشودة المطر ويهطل المطر، نستبشر خيرا بالموسم.
في أول شتوة تفوح رائحة التراب المبلول؛ زكية شهية، تستحم الأرض، تتوضأ بخشوع، تسبح باسم الله، وكأنها تهمس: تفاءلوا بالخير تجدوه.
في الماضي كانت طقوس الشتاء مختلفة فوسائل التدفئة والبيوت لم تكن مهيأة؛ الشبابيك مخلوعة الأبواب غير محكمة، من شقوق السقوف تتسرب حبات المطر نجمعها في إناء نسكبه من خلف الأبواب على شجر الزيتون.
أغاني فيروز «شتي يا دنيي» توقظ الأطفال؛ يجتمعون في الساحات يلعبون تحت المطر دون مظلة ودون معاطف، فالحركة واللعب يزودهم بالحرارة ويشعرهم بالدفء تنطلق الأبخرة من أفواههم، وعند الغروب ومع انخفاض درجات الحرارة يدخلون إلى بيوتهم يحلقون حول شعلة التدفئة يتناولون قطعا من الخبز يحمصونها ويصنعون الشاي ويشوون البطاطا، وتنتشر رائحة الخبز في كل مكان، كل أفراد العائلة يلتمون في غرفة واحدة وأجمل ما في لمة العائلة القصص والحكايات الجميلة التي يرويها احد الوالدين، ولانقطاع التيار الكهربائي والخوف من العتمة طقوس أحرى وقصة أخرى عندما يحاول أحد الوالدين العثور على شمعة او لمبة الكاز وبمجرد أن تضيء الشموع تتبادل العائلة الحديث الساخن والقصص الدافئة.
قطرات المطر تحرض فينا الحنين لشتاء غادر بكل متاعه، وما بقي منه إلا أبواب موصدة، وكل يعيش بمفرده إلا مع جهاز يقلبه، يعزز سلوك العزلة تحت جدارات بلا شقوق، ولا بقعة ضوء يتسرب منها النور.