-

كتابنا

تاريخ النشر - 25-05-2021 11:16 AM     عدد المشاهدات 708    | عدد التعليقات 0

عهدُ وفاء ومسيرة بناء

الهاشمية نيوز - عاطف العيايدة

لم يكنْ يومُ الخامسِ والعشرين من شهرِ أيّار للعامِ ألفٍ وتسعمائةٍ وستَّةٍ وأربعينَ يومًا اعتياديًّا في عمرِ الزّمنِ، وفي لوحِ التّاريخِ الّذي تُرصَدُ عليهِ مجرياتُ الحياةِ، فقد استيقظَ الشّعبُ الأردنيّ على هُتافِ البطولةِ وصيحاتِ المجدِ المتعاليةِ في سماءِ الوطنِ، فكانَ لهذا القرارِ الصّارخِ الشّجاعِ وقعٌ كبيرٌ على نفوسِ أفرادِ الشّعبِ الأردنيّ بجميعِ أطيافِه، إِذْ لم يكنْ من المقبولِ أنْ تظلَّ إرادةُ الدّولةِ معلّقةً بتوابعِ الاستعمارِ الإنجليزيّ الّذي انتدبتهُ عصبةُ الأمم لرتقِ الفراغِ الّذي خلّفهُ خروجُ الجيوشِ التّركيّة من إمارةِ الشّرقِ العربيّ عام 1918م، والّذي حاولَ بكلِّ قوّتهِ إحكامَ القبضةِ على رقابِ النّاسِ؛ للتّحكمِ في مصائرهم، ونهبِ خيراتِهم، وجعلِهم راضخينَ لسياسةِ الاستعمارِ النّابعةِ من مخطّطاتٍ طويلةِ الأمدِ لفرضِ السّطوةِ والاستبدادِ.
وقدْ جاءَ قرارُ منحِ الاستقلالِ للأردنِّ بإنهاء انتداب الأمم المتّحدةِ البريطانيّةِ عليها بعدَ هبّةٍ شعبيّةٍ لامستْ رغبةَ القيادةِ الهاشميّةِ الرّشيدة، والّتي بدورِها ساندتْ الشّعبَ الملتفَّ حولَها، إذْ وقفَ مؤسّسُ إمارةِ شرقِ الأردنّ الأمير عبداللّه الأوّل بن الحسين وِقْفةً تاريخيّة في وجهِ المستعمرِ الإنجليزيّ ملبّيًا رغبةَ الشّعبِ الأردنيّ في الخلاصِ من طغمةِ الاستعمارِ الّتي فُرِضَتْ لعقودٍ طويلةٍ، فكانَ أنْ حاولَ الأميرُ المؤسّسُ محاولاتٍ حثيثةً معَ الحكومةِ البريطانيّة للاعترافِ بسيادةِ الإمارةِ، غيرَ أنّ مساعي الأميرِ لم تجدْ استجابةً من الحكومةِ البريطانيّة الّتي ماطلتْ في وعودِها، واتّبعتْ سياسةَ التّلاعبِ والحِربائيّة في تنفيذِ مطلبِ الأميرِ عبداللّه الأوّل _رحمه اللّه_، ولمْ تستجبْ لهذا المطلبِ الشّعبيّ والمصيريّ بالنسبةِ للأمير، واكتفتْبإصدارٍ مرسومٍ على لسانِ المندوبِ السّامي البريطانيّ في فلسطين (هيربرت صموئيل) مفادهُ اعترافٌ شفهيّ باستقلالِ الإمارةِ.
لكنّ الأميرَ لمْ يستسلمْ لقرارهِم الزّائفِ، وظلّ يطالبُ مطالباتٍ جدّيَّةً بتوقيعِ معاهدةٍ رسميّةٍ تضمنُ استقلاليّة الإمارةِ، فتمَّ توقيعُ معاهدةٍ أردنيّةٍ بريطانيّةٍ في العشرينَ من شهرِ شباط من عامِ 1928م في فلسطين، وفيها اعترافٌ رسميٌّ بحكومةٍ مستقلّةٍ للإمارةِ يمثّلها رئيسُ الحكومة أنذاك (حسن خالد أبو الهدى الصّيّاديّ)، وبعدَ فترةٍ قُوبلت المعاهدة برفضٍ شديدٍ؛ لأنّها لا تحقّقُ السّيادة الكاملة للإمارةِ، إذْ تحتوي على موادّ تضعُ كثيرًا من القراراتِ بيدِ الإنجليز.
وظلّتْ الحكومةُ البريطانيّة تراوحُ مكانَها في تعديلِ الموادّ المجحفة في المعاهدة لسنواتٍ طويلةٍ، والأميرُ ينادي في كلِّ محفلٍ ولقاءٍ بضرورةِ الحصولِ على الاستقلالِ التّامِّ للإمارةِ؛ لذا دعا الأميرُ المؤسّسُ إلى عقدِ المجلسِ التّشريعيّ الأردنيّ أنذاكَ جِلْسةً خاصّةً للإعلانِ عنْ استقلالِ الإمارةِ تحتَ مسمّى المملكةِ الأردنيّةِ الهاشميّة، وتحقّقِ البيعةِ للملكِ عبداللّه الأوّلِ بن الحسينِ ملكًا دستوريًّا عليها، وتبعَ ذلكَ تعديلٌ جذريّ لكثيرٍ من القوانينِ السّياسية النّاظمةِ للمملكة، فلمْ يكنْ أمامَ الأمم المتّحدةِ بعدَ استمرارِ المطالبةِ بالاستقلال على المستويينِ الرّسميّ والشّعبيّ إلّا الموافقةِ القسريّة، والوقوفِ لجانبِ المملكةِ في هذا القرارِ لإنهاءِ الانتدابِ البريطانيّ بشكلٍ كاملٍ وشاملٍ، والاعترافِ بالأردنّ كدولةٍ مستقلّةٍ ذاتُ سيادةٍ.
وبعدَ الحصولِ على حقِّ الاستقلالِ توالتْ سلسلةٌ من القراراتِ السّياديّة الّتي حقّقتْ المصالحَ العليا للدّولةِ والشّعبِ، وصارَ للأردنِّ جيشٌ قويُّ هو الجيشُ العربيّ الأردنيّ الّذي شاركَ ببسالةٍ في الدّفاعِ عن فلسطينَ المحتلّة عامَ 1948م، وفي بدايةِ عهدِ جلالة الملكِ الحسينِ بن طلال _رحمه اللّه_ انضمَّ الأردنّ إلى الأمم المتّحدةِ في عامِ 1955م، وبعدها بفترةٍ متقاربةٍ أعلنَ الملكُ الحسينِ عن قرارٍ تاريخيّ متمّمٍ لقرارِ الاستقلالِ وهو تعريبُ قيادةِ الجيشِ العربيّ الأردنيّ بطردِ الضّابطِ الإنجليزيّ (جون كلوب باشا) من منصبِ أركان حربالجيشِ العربيّ الأردنيّ، وتسليمِ قيادةِ الجيشِ لــ(راضي عنّاب) بعدَ ترفيعهِ لرتبةِ أمير لواء، وبذلك تمّ التّخلّصُ من جميعِ مخلّفاتِ الاستعمارِ الّذي خيّمَ ظلامهُ على البلادِ زمنًا طويلًا.
ومن ثمارِ حادثةِ الاستقلالِ الّتي سُجّلتْ في تاريخِ المملكةِإنهاءُ المعاهدةِ الأردنيّةِ البريطانية في التاسع عشر من شهر كانون الثّاني من عام 1957م في عهدِ جلالةِ الملك الحسين بن طلال_رحمه اللّه_، وقدْ أكّدَ هذا القرارُ تأكيدًا واضحًا على استقلاليّة الدّولةِ، لتتخلّصَ المملكةُ من أذيالِ المستعمرِ إلى الأبد، ولتشرقَ شمسُ مسيرةِ العطاءِ المتجدّدة كلّ صباحٍ.
فالاستقلالُ بدايةُ الانطلاقِ نحو إرساءِ قواعدِ المملكةِ الأردنيّة الهاشميّة، وتأسيسِ بنيانِها تأسيسًا ثابتًا، وتعزيزِ ثوابتِ وجودِها كدولةٍ لها مكانتُها السّياسيّة على خارطة الوجودِ الدّوليّ، وقدْ شاءَ القدرُ أنْ يكونَ الحكمُ بيدِ الهاشميّين الّذين بذلوا قصارى جهودِهم، وقدّموا الكثيرَ في سبيلِ الحصولِ على الاستقلالِ الشّاهدِ على أحقيّةِ نيلِ الحرّيّة الّتي هي أساسُ الحياةِ، بدءًا من الثّورةِ العربيّةِ الكبرى الّتي أطلقَ رصاصتَها الأُولى الشّريفُ الحسينُ بنُ عليّ _رحمه اللّه، والحرّيّةُ دونَ أدنى اختلافٍ هي المطلبُ الأساسيّ للاستقلالِ، وهي لَاْ تُنالُ ولَا تدقُّ أبوابُها إلَّا بأيادٍ ملطّخةٍ بالدّماءِ_على حدّ قولِ_أميرِ الشّعراء أحمد شوقي:
وَلِلْحُرِّيَّةِ الْحَمْرَاْءِ بَاْبٌ
بِكُلِّ يدٍ مُضَرَّجَةٍ يُدَقُّ
أمّا اليومَ فها هو الأردنّ في طليعةِ الدّولِ المتقدّمة على جميعِ الصّعدِ، وفي كافّةِ أشكالِ الازدهارِ، ومناحي الحياة، وكلّ هذا لم يكنْ ليتحقّقَ ولو جزءا يسيرا منهُ لولا الخروجِ من المربّعِ الأوّلِ، وهو الاستعمارُ الانجليزيّ، ثمّ لتبدأ خطواتُ مسيرةِ البناءِ بالتّقدّم بخطىً ثابتةٍ نحو الأمامِ، وذلكَ كلّه يعودُ لوعيِ أبناءِ الشّعبِ الأردنيّ الواحدِ الّذين ما لبثوا يفدونَ ثرى هذه الأرضِ الطّاهرة، موطنِ أجدادهم ممّن قدّموا أرواحهم فداءً لها في معركة الكرامةِ الخالدة والقدسِ واللطرون وبابِ الواد وتلّة الذّخيرة والسّموع ومعركةِ العقبة.
فالاستقلالُ احتفاليّةٌ خالدةٌ في سجلِّ تاريخنا الأردنيّ الحافلِ بالبطولاتِ، وعلينا جميعًا أنْ نسترشدَ بمعطياتِ هذهِ الحادثة الّتي كانتْ بمثابةِ الولادةِ الجديدة للمملكة، ومن هنا يجدرُ بنا أفرادًا ومؤسّساتٍ أنْ نظلَّ قابضينَ على الأيادي الحرّة الّتي ما هادنتْ يومًا، ولا فرّطتْ بشبرٍ من أرضِها، ولا بذرّةٍ من ثرى الوطنِ الطّهورِ.
حمى اللّه الأُردنَّ من كيدِ الكائدين، وردّ اللّه عنا شرورَ المتربّصين، وحفظَ اللّه الأردنَّ قيادةً وشعبًا، وأطالَ اللّه في عمرِ سيّدِ البلادِ الملكِ عبداللّه الثّاني بن الحسين المفدّى.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :