-

مقالات مختارة

تاريخ النشر - 22-09-2020 11:06 AM     عدد المشاهدات 283    | عدد التعليقات 0

بين حمار مانا وضبع حانا ضاعت لحانا

الهاشمية نيوز - رُوِيَ عن أميرٍ في عصرٍ غابرٍ أنهُ اقتنى حماراً نبيهًا، ويستدل على طريقِ القصرِ مهما بعدت المسافة، وفي إحدى الليالي المدلهمة سطا ثلاثة سراق على قصر الأمير، وسكانه في سبات وحراسه في غفلة يتسامرون، فحملوا معهم ما غلى ثمنه وخف حمله ولكن ثقل على السراق حمله فاستعانوا بحمار الامير لحمل الاثقال الثمينة، وانطلقوا من القصر إلى غابة قريبة هاربين قبل ان يكتشفهم أحد وساروا ساعتين حتى ابتعدوا ثم خلدوا الى الراحة للانطلاق بعدها الى الجبال ، واثناء نوم أحد السراق الثلاث استيقظ ليكتشف ان شريكه يغرز السكين في قلب شريكه الثالث النائم . ولما استهجن ذلك قال له قسمة على اثنين أعدل وأوفر من ثلاثة ، وسارا معا الى الجبال ومكتشف الجريمة خائف من الغدر حتى حانت له الفرصة فعالج شريكه بالقتل ذبحا وسار وحده ومعه الحمار والاثقال الثمينة حتى وصل الى الجبال وبدأ برحلة شاقة وسط المنحدرات، وما أن تسلق اول المنحدرات حتى سقط وكان لإحدى حواف المنحدر رأس مدبب أصابه في رأسه فمات من فوره، وعاد الحمار وحده الى القصر حاملاً ما سُرِقَ إلى صاحبه، ففرح الأمير بما عاد به الحمار وكانت نتيجة السرقة والغدر؛ الموت.
في هذه الحكاية البسيطة اعترض أحد المستمعين على الراوي أنه إذا كان السراق الثلاث قد ماتوا فمن نقل الحكاية ؟ وهنا الاجابة أن كثيرًا من حكايات العصور الغابرة تعرضت للتحريف والتشويه مئات المرات عندما نُقِلت في جمعٍ او أكثر آلاف المرات ، وهذا في زمنٍ كان الإعلام فيه مقتصرًا على الشعر والأدب المحكي والمنثور المكتوب . فكيف بإعلام اليوم الذي تنشر فيه الحكايات والقصص والأخبار ملايين المرات عبر القص واللصق والنسخ والتحريف على مواقع التواصل الاجتماعي ويتم خلالها اغتيال الشخصيات وقتل الإبداع والتخوين وانكار الحقائق ويستخدم فيها أصحابها التضليل ونقل القصص المبتورة للانتقاص من قدرات غيرهم.
وهنا أقول أننا نعيش عصرًا معقدًا استحوذت فيه مواقع التواصل الاجتماعي على ناصية الإعلام ومارس الكثير من مستخدمي هذه المواقع التزوير والتلفيق والتشويه والاستهزاء المقصود وغير المقصود، وان كانت هذه الأخبار المفبركة محتملة في زمن الرخاء والاستقرار، فإنها في زمن الأزمات من المحرمات ناهيك عن أن اغتيال الشخصيات وتسخيف الانجازات وإطلاق النعوت واصطياد الزلات ليست من الاخلاق في شيء لقوله تعالى: " وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا " ، ولأن ما يُكتب على مواقع التواصل الاجتماعي فيه تخبّط وإساءات للكثير من الأشخاص والمؤسسات، وبعضهم ينسى قول النبي عليه الصلاة والسلام : "من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه". فمتى نترك ما لا يعنينا ومتى نترفع عن الاساءة والتنمر ومثال الضبع الذي استخدمه طبيب مثابر قد نتفق مع بعض تصريحاته او قرارته وقد نختلف ولكننا لا نختلف على حجم عمله الهائل لشهور ومثاله عن الضبع كان يمكن أن يمر سلسًا لولا الحجم الهائل من النشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي أطاح به من موقعه.
إننا في بلدٍ عظيم ووسط شعبٍ عظيم وفي ظلِ قيادةِ ملكٍ حكيم يقود البلاد إلى العلياء. ورئيس وزراء يدير أزمةً بالمشاركة مع فريقه الوزاري والأجهزة المعنية بشكلٍ مميز، ويجلس مرارًا وتكرارًا لينقل للمشاهد والمتابع كل جديد بدقة وصدق وشفافية ويعترف ان الحكومة وخلية الازمة تتعلم كل يوم شيء جديد في أزمةٍ جديدة في كل تفاصيلها ووباء خبيث يضرب بلا رحمة نظامنا الصحي. ولكن يبدو أن نوعًا جديدًا من الوباء قد انتشر اليوم وهو إعلام الشائعات. ان اعلام الشائعات خبرناه سابقا ولكن في الأوقات العصيبة يتكاتف كل العالم ويتوحد في المواجهة ومن المنطق أن ينصب التفكير على طرائق التعليم و التعامل مع تباطؤ نمو الاقتصاد وسبل الوقاية من الأوبئة والأمراض وبخاصة وباء الكورونا ولكنّ الغريب أن البعض ممن تعود على السلبية لأنها متأصلة في نفسه، أو لأنه يعمل وفق اجنداته الخاصة أو لاستهتاره استبدل ما ساد في عقود غابرة بما سمي بالصحف الصفراء، و التي اشتهرت بتناقلها للفضائح، وانتشرت انتشار النار في الهشيم، ومن ثمَ وفي ظل التطور التكنولوجي الهائل وظهور الشبكة العنكبوتية خَفُتَ بريقها، واعتقدنا ان إعلام الغد سيكون محايداً وصادقاً ولن يتورط في البحث عن الغنائم واغتيال الشخصية، وزرع الفرقة بين العباد في البلاد، وبخاصة في زمن الأوبئة والأمراض.
لقد حل الفضاء الإعلامي المفتوح عبر الفضائيات والمواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي ليحول نقاء التكنولوجيا الى فضاء فضائحي اجتماعيًا وسياسيًا ، وكان لافتًا للانتباه بث الشائعات واختلاق الأخبار وبث مواد فلمية قديمة لأحداث أو مواقف قديمة أو اصطياد موقف او لقطة هنا أو هناك ليعاد نشرها مجددًا بعنوانٍ من هنا او هناك أو بث أي مادة بعناوين مستفزة أو جالبة للقراء ليكتشف القارئ بعد الغوص في الموضوع قضية مختلفة تمامًا عن الموضوع .
ان الحرية الإعلامية مكنت بعض الاعلام الرخيص من مدونات أو صفحات شخصية أو مواقع مأجورة من استغلال هامش الحرية الى فبركات رخيصة يسعى مروجوها الى نشرها في مواقع التواصل الاجتماعي، وفي بعض الصحف الكترونية الرخيصة تعبر عن حالة مرضية عند مطلقيها المأجورين ممن أطلق عليهم في كل العصور تسمية الطابور الخامس المستهدف وحدة الشعوب وتحطيم أمانيها بالحياة الفضلى عبر ضرب حالة الاستقرار بين مكونات الدولة، أو المس بشخصيات اقتصاديه او سياسيه او حتى تماسك الشعب ووحدته الوطنية وجمالية التنوع المبني على علاقات تاريخيه بين مكونات الشعب.
من هنا رأينا خلال هذه الفترة الاخبار المبتورة وأصحابها لا تتوقف ساعة عن تشويه الحقائق وقلبها ، محاولين في الوقت نفسه تشويه كل خطوة تخطوها المملكة لتجاوز أزمة الوباء . وأنا لا أريد أن أقف ناصحاً لأبناء الوطن الاغلى ان لا يلتفتوا الى هذه الترهات والخزعبلات، فهم بما أنعم الله عليهم من مدارس وجامعات ومعاهد لا تحصى يعرفون الغث من السمين، ولكن إياكم أن تقعوا فريسة أناس لا يخافون الله فيكم، ولا تأخذكم فيهم إلَا ولا ذمة، لقد عمل أولئك على ذر الرماد في العيون لتعمية الحقيقة لانهم لا يريدون للوطن الخير, فالمملكة الاردنية الهاشمية كانت وما زالت عظيمة بشعبها ووحدتها ونظامها وتجربتها مما جعلها فعلاً عظيماً في عيون كل الشعوب، فليفتخر ابناء الاردن بإنجازات هذا البلد الكبير بشعبه الصغير بإمكاناته ليحقق الاهداف المنشودة والآمال المرجوة. وأخر حديثي أن يحفظ الله الوطن آمناً مستقراً سخاءًا رخاءًا تحت الراية الهاشمية المظفرة وأن نتجاوز أزمة هذا الوباء الخبيث ولنأخذ بقوله تعالى : ( وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا) . [ الفرقان ٦٣ ]، حتى لا ينطبق علينا المثل "بين حمار مانا وضبع حانا ضاعت لحانا ".
بقلم: زيد أبوزيد



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :