-

كتابنا

تاريخ النشر - 17-06-2020 09:24 AM     عدد المشاهدات 478    | عدد التعليقات 0

رِفقًا… ببنتِ عدنان!!!

الهاشمية نيوز -
الدكتورة جمانة مفيد السّالم

أما المكان، فأبوابه مفتوحة على مصاريعها ليشمل المؤسسات التعليميّة كافة في أرجاء وطننا الأردن بخاصّة، وفي دول الوطن العربيّ كافّة، وأما الزمان فمرتبط بأزمة كورونا التي اجتاحت العالم في العام 2020 فطال تأثيرها أدقّ تفاصيل حياتنا، وأما الشخصيّة الرئيسة في الحكاية فهي تلك التي نعت نفسها على لسان الشاعر حافظ إبراهيم قبل سنين خلت، فقالت مخاطبة قومها العرب:
فيا ويحكم أبْلى وتبْلى محاسني وفيكم وإنّ عزّ الدواء أُساتــــي
فــــــلا تكِلـــــــــــــــونــــي للزمـــــــــان فإنّنــــــي أخاف عليكم أنْ تحينَ وفاتـــي
وأمّا الحدث الرئيس الذي تقوم عليه الحكاية فهو تلك الظروف التي ألمّت بلغتنا العربيّة على مستوى عالمنا العربيّ، حين بدأنا نتنادى لتفعيل التعليم عن بُعد، وندافع عنه، ونطبّقه ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، سعيًا وراء المحافظة على سير العمليّة التعليميّة بأقل الخسائر، ولكنْ دونما التفات حقيقيّ لما قد يترتب عليه في أكثر الأحيان من فقدان لمهارات التواصل باللغة العربية الصحيحة على مستوى التعليم، وهي: القراءة، والكتابة، والمحادثة، والاستماع. وقد بلغت الحكاية ذروتها حين فقدت الامتحانات هيبتها، وصارت غالبيّة أسئلتها موضوعيّة، تقتصر إجاباتها على تظليل الإجابة التي تمثل اختيار الطالب.
ولعلّ قارئًا كريمًا يتساءل: عمّ تتحدّثين؟!! وماذا تقصدين؟!! ألا تريْن أنّنا – وبحسَب ما تُتيحه لنا بعض قنوات الاتصال المرتبطة بالعمليّة التعليميّة عن بعد- نكتب ما يُطلب، ونقرأ ما يُكتب، ونستمع لبعضنا بعضًا، أو نتحادث – ولو بصمت – حول مسألة نقاشيّة معينة؟!!
والإجابة عندي هي أنّنا في الواقع نفعّل تلك المهارات كلّها، ولكنْ دونما اكتراث بأمور عديدة مهمّة، منها – على سبيل المثال لا الحصر- شيوع الكتابة بالعامية حدّ ظهور الّلهجات في المواد المكتوبة المرسَلة من الطلبة عبر وسائل التعليم عن بُعد، وحتى في رسائل بعض الأساتذة لطلبتهم، ومنها كذلك عدم الالتفات للصحّة اللغويّة المطلوبة في تلك المواد أو في ملخصات المواد التعليميّة المتداولة على مستوى المهارات الأربعة، ولو في أبسط مستوياتها الوظيفيّة، في الوقت الذي يتعذر على المعلّمين المهتمّين أو حتى المختصّين منهم، تصحيح الأخطاء النحويّة والإملائيّة والأسلوبيّة في المواد التي يرسلها الطلبة عبر تلك القنوات بشكل دقيق. ومن ذلك أيضًا عدم تطبيق أسس التعبير الكتابيّ حتى على مستوى إجابات الأسئلة المقاليّة الجادّة التي تكاد تصير معدومة، وعدم التمكّن من تأسيس طلبة الصفوف الأساسية الدنيا في مهارتي القراءة والكتابة على الوجه الأمثل. وحدّث ولا حرج عن ركاكة في صوغ المعلّمين أنفسهم أحيانًا للأسئلة الموضوعيّة، وعن أخطاء إملائيّة ونحويّة وتركيبيّة يقعون فيها أثناء طباعتهم لها، أو حتى لملخصات موادّهم التي يرفعونها للطلبة عبر القنوات المختلفة للتعليم عن بُعد، وعن تقليلهم شأن أفكار مُهمّة ومحاور نقاش عميقة تزخر بها المناهج، وتعجّ بها الكتب المدرسيّة؛ باختزالها إلى معلومات طائرة سريعة، أو توجيه أسئلة حولها يسودها طابع اختبار الذاكرة والقدرة على الحفظ وحسب، فلا تنبئ في أكثر الأحيان عن أدنى اهتمام بسائر المستويات المعرفيّة المطلوب تغطيتها عند وضع الاختبارات، وهي تشمل – بالإضافة إلى المعرفة (التذكر)- الفهم والاستيعاب، والتطبيق، والتحليل، والتركيب، والتقويم؛ فأين نحن من هذا كلّه في ضوء ما طالعتنا به أكثر نماذج الامتحانات التي قدّمها أولادنا في المدارس والجامعات عن بُعد، سيّما وأن أكثر المعلمين والمعلمات كانوا فيما مضى يركّزون على الأسئلة المقالية، ولا تتجاوز الأسئلة الموضوعية في اختباراتهم وامتحاناتهم نسبًا محدودة، وأنّ عددًا كبيرًا منهم اقتحم غمار هذه التجربة دونما خبرة كافية، أو تدريب وافٍ.
ما يجب أن يكون أكيدًا للقرّاء الأعزاء هو أنّني لا أغنّي خارج السّرب، بل إنني مارست العمليّة التعليميّة عن بُعد مع طلبتي في الجامعة، وكانت تجربتي وزملائي في هذا المضمار ناجحة نجاحًا مشهودًا، كما أنّني خضت تجربتها مع أولادي في صفوف مدرسيّة عديدة، وعشت ردود الأفعال الإيجابيّة والسلبيّة حولها مثل سائر أفراد المجتمع، مقدرة جهود العاملين في هذا المضمار كافة، لكنّني كنت وما زلت آلَم على واقع مرير تواجهه لغتنا العربية، وعلى ضعف مُستشرٍ أخذ يدبّ في أوصالها بعمق، ويفتّ في عضدها بقوّة؛ بسبب تخاذل أصاب بعض أهلها، وهم أولئك الذين ادّعَوا مرارًا وتكرارًا أنها تعجز عن مجاراة التكنولوجيا الحديثة، فلا تستوعب مصطلحاتها، ولا تستطيع مواكبة التطورات السريعة الحاصلة على أنظمة التواصل الإلكترونيّ، فلم يأبهوا بما جرى لها، وبما سيجري لنا؛ جرّاء عدم الاكتراث بها في خضمّ هذا الشكل الجديد من أشكال التعليم والتعلّم.
ولعلّي أوجّه دعوة حقيقيّة لصانعي القرارات بهذا الشأن، وللمعلّمين ورثة الأنبياء في المدارس وفي الجامعات- على اختلاف تخصّصاتهم ومؤهّلاتهم العلميّة، والمراحل التي يدرّسونها- ألاّ ينسوا أنّنا ومنذ عام تقريبًا نتغنّى سعداء بمبادرة سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله حفظهما الله ورعاهما للنهوض بلغتنا العربية، وقد هدفت تلك المبادرة فيما هدفت لتطوير تقنيات لتمكين اللغة العربية رقميًّا، ولإثراء المحتوى العربي على الإنترنت، ولإنشاء المنصّات المختلفة للتواصل باللغة العربية واستخدامها في مجالات الحياة المختلفة، مردّدين مع سموّه: ” … لغتنا هُويّتنا، لغة القرآن الكريم، لغة حضارتنا وثورتنا، ولغة الأدب والعلوم، هي بحر من الكلمات، فيها وجودنا ومستقبلنا، نختزله بحرف واحد: الضاد،…”؛ الأمر الذي يقتضي ألاّ يجرفنا تيار التعليم عن بُعد عن ابنتنا (بنت عدنان) الناصعة بيانًا، المتألقة بلاغة، الواسعة معجمًا، المتميّزة نحوًا، الغزيرة عطاء، الغنيّة تعبيرًا، وأن نسعى لإيجاد طرق مختلفة للإفادة من خصائصها، وميزاتها، وأن نوظفّها في عملية نقل العلوم، وتلقّيها، وتبادلها عن بُعد، وأن نفرض التشريعات الناظمة لذلك على مستويي التعليم والتقييم.
ولأنّ حكايتنا غير منتهية أجدُني أختمها على لسان الأديب علي الجارم، من باب التذكير فقط، والذكرى تنفع المؤمنين، فأقول:
يا شِيخَةَ الضّاد والذكرى مُخلّدة هنـــــــا يؤسَّسُ مــــــا تبنـُـــــون للعَقِــــــــبِ
هنا تخطّون مجدًا ما جرى قلمٌ بمثله في مدى الأدهار والحِقَبِ






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

عـاجـل :